من يحقّق الإختراق في الحوار..؟!

تنعقد الجولة الثانية من طاولة الحوار اليوم، في ظل ظروف داخلية وإقليمية ضاغطة، تؤكد أهمية التوصّل إلى «توافق الحد الأدنى» على الأقل، لحماية الوضع اللبناني الهش من تداعيات التطورات الإقليمية، والتي تبدأ بالتصعيد المطرد الذي تشهده الأزمة السورية، ولا تقف عند حدود وصول مرشّح الاخوان المسلمين إلى رئاسة أكبر دولة عربية.
في الداخل، تتخذ الأحداث الأمنية المتنقلة أشكالاً مختلفة، للتعبير عن حالة عدم استقرار مصطنعة، تحاول بعض الأطراف القريبة من دمشق فرضها على الشارع اللبناني المنقسم على نفسه عامودياً بين مؤيد للمعارضة السورية وبين مناصر للنظام.
وعندما فشلت أحداث عكار، وما تلاها من مناوشات بين التبانة وبعل محسن في طرابلس، من تحقيق أهدافها في زعزعة الأمن الداخلي، وتوريط الجيش والقوى الأمنية في معارك جانبية مع قواعدهم في الشمال، اشتعلت فجأة مواجهات نهر البارد، بين الجيش وسكان من المخيم، رغم مضي أكثر من أربع سنوات على حالة التعايش والتنسيق والانسجام، بين المسؤولين العسكريين اللبنانيين ومسؤولي الفصائل الفلسطينية في المخيم.
وبدا واضحاً أن ثمة من حاول نقل الشرارة إلى مخيمات أخرى، وخاصة البداوي وعين الحلوة، بهدف استعادة مشهد المواجهة الشاملة بين الجيش والمخيمات الفلسطينية، الذي كان يحصل في السبعينات من القرن الماضي، ولكن حرص الجيش على عدم الانجرار إلى معركة مع المخيمات من جهة، ووعي القيادات الفلسطينية، وفي مقدمتها الرئيس محمود عباس، من مخاطر الانزلاق إلى مواجهات دموية مع الشرعية اللبنانية من جهة أخرى، قد ساعد على إطفاء شرارة المخيمات قبل أن تتحول إلى نيران ملتهبة تفتك بهشيم الوضع الأمني الهش.
* * *
إحباط مخطط إشعال المخيمات، على أهميته، لا يكفي وحده للقول بأن الوضع اللبناني أصبح أكثر استقراراً، وأكثر تماسكاً، لأن فوضى الاحتجاجات وإشعال الدواليب وقطع الشوارع، ما زالت تأكل من هيبة الدولة، وتدلل على عجزها في فرض النظام العام، وإعادة الجميع إلى الطريق الحضاري السليم للتعبير عن احتجاجاتهم، بأسلوب منظم يراعي متطلبات الحفاظ على الأمن والنظام، ولا يعرض مصالح البلاد والعباد للخطر، كما يحصل في العمليات المستمرة لقطع طريق المطار، وغيره من الطرقات الرئيسية الأخرى، والتي أدت إلى عدم مجيء من تبقَّى من اللبنانيين والمصطافين العرب إلى لبنان.
وتعزيز قدرة الدولة على فرض النظام العام، يحتاج إلى مظلة سياسية توافقية، تتجاوز الوضع الحكومي، ولو لمرحلة آنية محددة، وتركز على تحقيق «اختراق ما» في جدار القطيعة الحاصلة بين جبهتي الموالاة والمعارضة، لا سيما في ما يتعلق بهذا الجليد المتحكم بجمود العلاقة بين تيّار المستقبل وحزب الله، بهدف إعطاء الأولوية القصوى لإبعاد الوضع الداخلي عن لهيب الأزمة السورية المتصاعدة، والتوصل إلى تفاهمات مرحلية بين 8 و14 آذار، حول الوضع الحكومي وقانون الانتخابات، إلى جانب طبعاً، طرح ومناقشة وضع السلاح، وهو العنوان الرئيسي الذي يُفاقم الخلافات بين تيّار المستقبل وفريقه في 14 آذار، وحزب الله وحلفائه في 8 آذار.
حتى الآن، لا سبيل للوصول إلى «المظلة السياسية التوافقية» غير طاولة الحوار، لأن سبل التواصل مقطوعة منذ الانقلاب على حكومة الحريري، بين فريقي الموالاة والمعارضة!.
وثمة من يُرشح الرئيسين نبيه برّي وفؤاد السنيورة، بما يمثل كل واحد منهما، ومعهما الرئيس أمين الجميّل ورئيس جبهة النضال وليد جنبلاط، للقيام بجهد متناسق ومشترك، يكون قادراً على تحقيق الاختراق المنشود في جدار القطيعة بين 8 و14 آذار، وتمهيد الطريق للتوصل إلى تفاهمات «الحد الأدنى» على طاولة الحوار، حول البنود الرئيسية المطروحة للنقاش، لا سيما تنفيذ قرارات الحوار السابقة، وإيجاد الصيغة الوطنية المناسبة لمسألة السلاح.
* * *
أما الظروف الإقليمية الضاغطة على الوضع الداخلي، فهي من الخطورة، ما يستوجب مضاعفة الوعي الوطني لإقامة جبهة داخلية قادرة على صد رياح العواصف التي تهز استقرار المنطقة برمتها.
من بدء تفكيك سلاح الجو السوري، إلى ملابسات إسقاط الطائرة التركية، وما بدأ يتسرب عن دور روسي في إسقاطها، إلى إعلان فوز الإخوان المسلمين برئاسة مصر، إلى استمرار التردّد الدولي، وخاصة الأميركي، في التعامل مع الأزمة السورية، كلها مؤشرات لمرحلة صعبة من المواجهات الإقليمية – الدولية، فضلاً عن الاهتزازات والمخاضات الداخلية في أكثر من بلد عربي.
فهل يكون تحرّك القيادات اللبنانية على مستوى التحديات والأخطار المحدقة بالبلد؟.
أم أن عُقد الداخل والخلافات المزمنة ستبقى هي متحكمة بمجريات الحوار، الذي يواجه اليوم في بعبدا اختباراً جديداً، يتمنى اللبنانيون، كل اللبنانيين القلقين على الأمن والمصير، اختباراً إيجابياً، وأفضل من كل الاختبارات الفاشلة السابقة!.  

السابق
حـوار .. عبـر الـزلازل!
التالي
مصطفى «جِبِت الغراض» لـ ناتالي؟