ما أشبه اليوم بالبارحة

ما يحدث في السودان من مظاهرات احتجاجية يذكرنا ببدايات الثورات العربية وارهاصاتها، فقبل أسبوعين خرجت مظاهرات طلابية احتجاجاً على غلاء المعيشة، قابلتها أجهزة الأمن بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع، ولكن المظاهرات التي بدأت بالعاصمة الخرطوم اتسعت وشملت مدناً سودانية عدة في الشمال والجنوب، فاستخدمت الشرطة الرصاص المطاطي، وهو ما يذكرنا بسيناريو القمع في الدول العربية التي ثارت شعوبها، ونجزم أنه في حال تحول هذه التظاهرات الى انتفاضات ستستخدم أجهزة الأمن الرصاص الحي.
وبالطبع كما حدث في الثورات التي سبقتها أعلن النظام السوداني الاسلامي وأجهزته الاعلامية، أن من قام بالمظاهرات مجموعات مندسة غاياتها التخريب وزعزعة الاستقرار، فما أشبه اليوم بالبارحة.
وفي محاولة لاستباق اتساع واشتداد هذه المظاهرات، قامت السلطات السودانية باعتقال عدد كبير من الناشطين السياسيين، منهم قادة وكوادر وشباب أحزاب ديموقراطية وقومية مثل حزب البعث والحزب الناصري، وتعرض بعضهم للجلد كعقوبة اسلامية، ولم تشمل هذه الاعتقالات فئات الطلبة فقط ولكنها طالت النساء والناشطين السياسيين.
والمظاهرات التي بدأت سلمية للاحتجاج على غلاء المعيشة وسياسات التقشف، تحولت الى مواجهات عنفية طالب خلالها المتظاهرون باسقاط النظام، واقتربت المظاهرات التي قمعت بشدة من القصر الرئاسي بالخرطوم، وفي الوقت الذي قلل فيه حزب المؤتمر الحاكم من شأن هذه الأحداث يرى المراقبون الغربيون أن هذه الاحتجاجات هي مؤشرات لم تصل الى الثورة الشعبية، لكن الجميع يعيش في فترة تعبئة نفسية ربما تكتمل بعد ستة أو سبعة أشهر.
وقد اعتبر الحزب الشيوعي السوداني في بيان له أن البدائل التي قدمها رئيس الجمهورية كحل للخروج من الأزمة الاقتصادية الشاملة الخانقة للشعب والوطن ليست سوى اجراءات ادارية، والسياسة الاقتصادية الجديدة لا تمس جوهر الحلول التي يمكن أن تنقذ البلاد من حالة الانهيار التي تعيشها، فخطاب الرئيس لم يمس من قريب أو بعيد مخصصات الأمن والشرطة والقوات المسلحة والقطاع السيادي التي تحوز على 70 في المئة من الأجور والمرتبات وان 44 في المئة من الموازنة هو الذي ينفق على كل تفاصيل الصرف على كل السودان، بالاضافة الى اعلانه عن زيادة في الضرائب والجمارك والجبايات وضريبة أرباح الأعمال على قطاع البنوك وبيع الأراضي، مما يؤدي الى تفاقم الأزمة الاقتصادية خاصة مطالبته المستمرة في تنفيذ الخصخصة وبيع كل ممتلكات القطاع العام، وأكد الحزب أن الحل يكمن في خروج المواطنين الى الشارع لاسقاط النظام، الذي لم يترك أي بديل غير ذهابه.
ومن المعروف أن الاقتصاد السوداني تدهور رغم غنى السودان، كما أن البشير مطلوب للعدالة بعد أن أصدرت المحكمة الدولية حكماً بالقبض عليه لارتكابه مجازر ضد البشرية، كما أن الشعب السوداني يمتلك تجربة سياسية عريقة فهو أول شعب عربي قام بثورة في ستينات القرن الماضي.
فمرحباً بالشعب السوداني الى ركب الثورات العربية والتي ستتلوها ثورات وتغييرات اصلاحية في بلدان عربية أخرى.  

السابق
عن الرجل الواقف على شرفة منزله مراقباً الأطفال الطائفيين
التالي
الانقلاب “الإخواني” والإسلام الأميركاني!