الرئيس ميقاتي وقداسة السلاح!

قال البطريرك بشارة الراعي إن أرض لبنان «مقدّسة» ولا يجوز أن تكون مقراً ولا ممراً للسلاح. والبطريرك الراعي رجل دين كبير، ولغة القداسة – وبخاصةٍ أنها تُستخدَم في المكان الصحيح – جزءٌ أساسيٌّ في الخطاب الديني. بين أن كثيرين استغربوا لدخول الرئيس ميقاتي في عالم القداسة هذا، بسبب السياق من جهة، ولأن القداسة ليست من الشؤون السياسية اليومية. قال الرئيس ميقاتي إن سلاح حزب الله مقدَّس! هكذا مرةً واحدةً. وقد قال لي بعض المدافعين عنه إن التعبير لديه ليس طليقاً، وهو يريد القول إن سلاح الحزب شرعي لأنه سلاح مقاومة. ونحن نعرف أن الرئيس ميقاتي ليس مشهوراً بالفصاحة، لكن وبخلاف ما يظنه بعض غير المطّلعين، فالرجل نفسه شديد القداسة، فهو يحجّ في العام مرتين وثلاثاً، وقد أنشأ بطرابلس جمعية العزم والسعادة الشديدة الفعالية والهول في العمل الخيري والديني. وهكذا وبخلاف الانطباع الأول، فإن من حق الرئيس ميقاتي استخدام لغة القداسة وفي أي سياق يشاء. ولو أنه خُيِّر بين ممارسة الأعمال التجارية والعمل السياسي من جهة، أو العمل الدعَوي والديني من جهةٍ ثانية، لاختار ولا شك العمل الدعوي الذي يحبه، والذي لا يتطلب منه كلاماً كثيراً يجد نفسه مجهداً فيه لاستعصاء البلاغة العربية عليه! وقد بلغني ممن لا أشك في «نزاهته» أن الرئيس ميقاتي ما كان يريد منصب الرئاسة هذا من أساسه، لولا أن أصدقاء لارسن وفيلتمان والأسد والأمين العام للحزب وجنبلاط، تضافروا في الضغط عليه لإقناعه بالاقدام على إنقاذ الوطن الذي لا يستطيعه أحد سواه!.

ولندع المزاح إلى حين، ولننصرف إلى تقديس الرئيس ميقاتي للسلاح، فلو كان الرئيس ميقاتي يقصد بالتقديس استعمال ذاك السلاح ضد إسرائيل، فما الذي يقوله بشأن احتلال بيروت بذاك السلاح، والبقاء في مواقع أمنية وعسكرية في كل حيّ وشارع إلى جانب حلفائه من التنظيمات المسلحة الأخرى؟ وإذا اعتبر الرئيس ميقاتي ذلك جدلاً طال بغير طائل، فماذا يقول عن السلاح في طرابلس والشمال، وهو رئيس الحكومة المكلف بنشر الأمن هناك، وكل المعلومات تقول إن لدى الرئيس نفسه تنظيماً مسلحاً هناك، وكذلك لدى الوزير الصفدي والوزير فيصل كرامي. ثم هناك تنظيمات مسلحة سابقة يحميها الرئيس ميقاتي بسبب علائقه الخاصة بالنظام السوري منذ قرابة ربع القرن. ولذا فالذي أرجحه أن القداسة التي أضفاها الرجل على سلاح الحزب، لا تتناوله حصراً، بل هي ساريةٌ على كل حلفاء الحزب، ومن تنظيمه المسلح!

بعد وصول معاوية للسلطة، استدعى زياد بن ابيه المشهور فاستلحقه (أي اعتبره أخاً له من ابيه منذ ايام الجاهلية)، وعينه والياً على البصرة التي كان الامن فيها سائباً، فانقدحت لدى زياد فكرة عبقرية وهي ان يستدعي اليه شيخ قطّاع الطرق بالمدينة ويعينه قائداً للشرطة، فيخاف اللصوص غير المتعاونين لانه يعرفهم، وينضمُّ البعض الآخر اليه، اي يصبحون من رجال الامن! وهكذا كان، وأحسب ان فيلتمان والاسد ارادا بنا الخير من اهل الفتن بالذات، عندما أوكلوا امننا الى رجل يقول بقداسة السلاح.
وقال الشاعر البصري القديم في فِعلة زياد:
إقلِّي عليَّ اللومَ يا ابنة مالك
وذُمِّي زماناً ساد فيه الفُلافسُ
فساعٍ الى السلطان يسعى عليهمُ
ومحترسٌ من مثلهِ وهو حارسُ   

السابق
ميريام: إسرائيل تسرق أغنياتي
التالي
الحبال التقى قائد إرتباط اليونيفل في صور