جائزة نوبل للحوار

جمعت الطاولة المستديرة أقطاب الحوار بعد انقطاع قسري أو إرادي أو عفوي لا فرق – فتحاوروا بالنظرات والنظارات، وتصافحوا بعد مقاطعة، ثم شعروا بهيبة الجلوس وثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وتداولوا في بنود الجلسة التي حدّدتها رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الموجهة اليهم للإلتئام والتحاور، وصولاً إلى تفاهمات متقاربة، حول نقاطها، والخروج بتوصيات أو بيان يحمل عناوين منا يتفقون عليه، والانتقال منها وبها إلى التنفيذ، كي ينعكس ذلك، ارتياحاً وطمأنينة واستقراراً وأمناً لدى الشعب الذي رأى في الدعوة الرئاسية الى الحوار واستجابة الأفرقاء لها: منطلقاً صحيحاً وسبيلاً وحيداً، وفرصة ثمينة للإنقاذ من حال الإحباط والقلق والخوف على المصير، وللتأكيد بأن القيادات السياسية اللبنانية قادرة ومؤهلة لصناعة هذا الإنقاذ إذا ما التقت وتصارحت وتكاشفت بروح المسؤولية الوطنية العالية والواحدة، بعيداً عن الكيدية والثأر من الآخر، وعن تراكمات لخلافات واحتقانات سابقة، وعن طروحات تعجيزية ومواقف تصعيدية، لا فائدة منها سوى عدم الفائدة.
وكان واضحاً ان المنتدين قدّروا قيمة وأهمية دعوة الرئيس سليمان الحوارية، لناحية المضامين والتوقيت في هذه الفترة الحرجة التي تضع لبنان على مفترق طرق مصيرية في الأمن والسياسة والإقتصاد والسيادة والإستقلال والوحدة الوطنية المهدّدة بنشوء «دويلات» مذهبية و«كانتونات» طائفية، على قياس التوطين الفلسطيني، ومقياس المشروع الإسرائيلي لتقسيم لبنان، كما أن المتحاورين قدّروا للرئيس سليمان دور حراكه السياسي والدبلوماسي على الصعيدين العربي والدولي، وهو الدور الذي وفّر غطاءً ودعماً لإنعقاد جلسة الحوار في القصر الجمهوري.

رأى المراقبون في بيان «بعبدا» الحواري: إحياءً لاتفاق الطائف، بعد «سبات» عميق من سنوات و«حبسه» في عدم اكتمال تنفيذه، وفي الإختلاف على تفسير بعض بنوده، مما دفع بأحد أقطاب هذا الإتفاق إلى القول: لقد بات اتفاق «الطائف» بحاجة إلى اتفاق «طائف» آخر لتفسيره، وإخراجه من دائرة الإجتهادات المتناقضة بشأنه.
كل ذلك، كان مخيّماً على طاولة الحوار، وكان كل طرف يرى أن الحق إلى جانبه، غير أن الرئيس سليمان ومن خلال كلمته أو مداخلته الأولى، رسم خريطة الطريق إلى تبادل الآراء والمقترحات وتظهير المواقف، بروح المسؤولية والشعور بدقة الظروف المحلية والعربية والإقليمية والدولية التي تنعقد جلسات الحوار في ظلالها، والتحسس بمعاناة اللبنانيين من استمرار الحروب الإعلامية والسياسية بين الأطراف، وانعكاس ذلك، على الوضع الأمني والاقتصادي والمعيشي والاجتماعي، والخوف من إدخال لبنان أو دخوله في استقدام حالة «افغانية» و«عراقية» و«بلقانية».

ولذا، نجحت الإدارة الرئاسية لجلسة الحوار في رسم المعادلة الآتية: دخل المتحاورون متحاربين، وخرجوا متوافقين على التحاور مجدداً في 25 الجاري، وفقاً لبيان «بعبدا» الذي أكد استحالة الخلافات الدائمة، وضرورة التوافق الدائم على مصلحة لبنان العليا، واعتماد نهج المصالحة، والتخاطب البنّاء، وتغليب الإختلاف على الخلاف، وفي القراءة التحليلية لبنود البيان المتكاملة في النطق والمنطق الدستوري وبحسب مراقبين ومحللين لبنانيين وعرباً وأجانب ان بندين كبيرين لفتا هؤلاء في التوافق عليهما وهما: دعم الجيش على الصعيدين المعنوي والمادي بصفته المؤسسة الضامنة للسلم الأهلي والمجسّدة للوحدة الوطنية، وتكريس الجهد اللازم لتمكينه وسائر القوى الامنية الشرعية من التعامل مع الحالات الأمنية الطارئة وفقاً لخطة انتشار تسمح بفرض سلطة الدولة والامن والاستقرار، والحرص تالياً على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية وعدم السماح بـإقامة منطقة عازلة في لبنان وباستعمال لبنان مقراً أو ممراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين، ويبقى الحق في التضامن الإنساني والتعبير السياسي والاعلامي مكفولاً تحت سقف الدستور والقانون.

وفي ضوء هذه المعطيات والنتائج الخلافية يذهب هؤلاء المراقبون والمحللون إلى القول: من حق الرئيس سليمان جائزة «نوبل» للحوار اللبناني – اللبناني.   

السابق
الجاسوسة أصبحت عارضة
التالي
المقاومة غالبة بقوّة المنطق لا السلاح