حكومة النعامة

يمكن اللبنانيين عموماً وأهل عرسال خصوصاً الاطمئنان إلى أنّهم ليسوا وحدهم على المستوى الرسمي في مواجهة الاعتداءات الأسدية المتكرّرة عليهم.. إذ إنّ الحكومة الفرنسية مثلاً تولّت بالنيابة عنهم إدانة تلك الاعتداءات في حين بقيت حكومة لبنان في عالم آخر.
وواقع الحال هو أنّ أمر هذه الحكومة صار فجّاً وثقيل الدم أكثر بكثير من قصّة النأي بالنفس الممجوجة والملتبسة. بل إنّ الموقف الحكومي يبدو غريباً حتى عن دواعي احترام الذات وتأكيد الحضور وترسيخ الدور. وكأنّ شعار النأي ذاك تطوّر سلباً باتجاه شعار آخر أكثر جذرية وأمناً هو دفن الرأس في الرمل، والابتعاد تماماً عما قد يثير النبض الوطني والأخلاقي ويسرّع من وتيرته!

.. حتى في سياق ونطاق وزاروب تسجيل موقف مبدئي عام إزاء الاعتداءات الأسدية وما تلحقه من أذى وأضرار، وما تهدره من أرواح لمواطنين لبنانيين، ارتأت حكومة النعامة أن لا تحكي ولا تخطو ولا تعطس.. مثلها في ذلك مثل حكومة السويد أو شقيقتها حكومة الدانمارك!.. ولا تفسير في السياسة لذلك الموقف إلاّ واحداً مفاده: إنّ نجيب ميقاتي وحكومته يقولان بصمتهما إنّ القتلى اللبنانيين برصاص قوات الأسد يتحمّلون مسؤولية مصيرهم! وإنّ الخروق الميدانية للأرض والحدود سببها أهل هذه الأرض داخل هذه الحدود! وهي في الإجمال نظرية فرعية تذكّر بالأصل السلطوي السوري الذي جاءت منه والذي يقول في إطاره العريض والنحيف، إنّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري يتحمّل مسؤولية استشهاده! وإنّ مَن تبعه من شهداء ثورة الأرز يندرجون بدورهم في تلك الخانة الانتحارية!

تماماً مثلما فعلت وتفعل السلطة الأسدية مع أهل سوريا: أطفال الحولة استدرجوا الجزّارين والجلاوزة والشبّيحة والذبّيحة! ومثلهم أطفال القبير في ريف حماة! وقبلهم حمزة الخطيب في درعا وآلاف من الحالات المشابهة في كل الجغرافيا السورية.. لكن حتى هؤلاء في ظلمتهم ومصيبتهم الأخيرة كان لهم في الدنيا من بعدهم، مَن يحكي عنهم ويتوعّد جلاّديهم بالعقاب والحساب. وحدهم الضحايا من أهل عرسال ووادي خالد وكل قرى وبلدات الخط الحدودي الشمالي، ليس لهم من دولتهم وحكومتهم إلاّ موقف النعامة، وذلّ الاستكانة، وعار الاستقالة من الواجبات الوطنية المقدّسة!
.. وكأنّ هذه الحكومة تقول أيضاً لأهل المناطق الحدودية شمالاً وبقاعاً إن غيابها عن مسؤولياتها يستدعي أن يتحملوا هم مسؤولية الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم! كأنّ تلك هي الرسالة الفعلية لموقفها المخزي والذي يعني في زبدته استدراج تفجير ميداني أكبر واعتداءات أكثر!

تحت تلك الحسبة الاتهامية، تركن استنتاجات فظيعة. في مقدمها، أن حكومة الانقلاب تعرف طبيعتها وتركيبتها جيداً. تعرف أنها حكومة أحادية انحيازية انقلابية لا تمثّل كل اللبنانيين، بل هي جاءت رغم إرادة وأصوات أكثر من نصفهم.. وعلى طريقة صانعها ومفبركها بشار الأسد تتصرف: مَن والاها وكان منها وقفت لتدافع عنه! ومَن عاداها وكان من صفوف أخصامها لا تعترف به!
تركيبة ذهنية واحدة في الحالتين والتلامذة كثر وكسالى، والفشل بعد ذلك عميم ومزدوج: أدامه الله "نعمة" عليهم!
  

السابق
جنبلاط: لا أفهم سياسة 14 آذار
التالي
وأخيراً… فرح الوزراء بعشرة آلاف مليار ليرة