الشرق الأوسط: طرابلس: هدوء حذر بعد ليلة هي الأشرس منذ الثمانينات

بقيت أجواء الحذر تسود مدينة طرابلس (شمال لبنان) يوم أمس، وتواصلت عمليات القنص المتقطع بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة خلال النهار، وسمعت رشقات رصاص بين الحين والآخر، فيما رد الجيش على مصادر النيران. وكانت المدينة عاشت أسوأ ليلة منذ ثمانينات القرن الماضي – كما قال السكان – قبل أن يبزغ فجر الأحد، وينتشر الجيش والقوى الأمنية؛ إذ تساقطت القذائف على أحياء بعيدة عن مناطق الاشتباكات، مما أصاب السكان بالذعر. وكانت القذائف من الكثافة بحيث قدرت بقذيفة كل دقيقتين، إلى أن تمكن الجيش من الانتشار صباح أمس.

وأكد وزير الداخلية مروان شربل الذي كان قد عقد اجتماعا مع مشايخ من طرابلس مساء السبت أن "الأمن سيعود إلى مدينة طرابلس"، مؤكدا أنه "لا غطاء سياسيا لأي أحد، وستتم محاسبة أي شخص، يحمل السلاح أو يطلق النار". وإثر عودة الهدوء النسبي إلى مناطق الاشتباكات، زار النائبان محمد كبارة وروبير فاضل منطقة التبانة والتقيا الأهالي في شارع سوريا، واطلعا على الأضرار التي لحقت بالمنطقة، ووعدا بالعمل سريعا على قيام الهيئة العليا للإغاثة بالكشف عن الأضرار تمهيدا للتعويض.

إلا أن عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل مصطفى علوش، اعتبر أنه "وبناء على تجارب سابقة، فإن ما نراه لا يشكل أكثر من هدنه مؤقتة بانتظار الحدث المقبل"، مكررا ما كان قد قاله سابقا بأن "الحل يكون إما بنزع السلاح من الجميع أو بزوال النظام السوري". وأضاف: "لو كان الخيار بيدي لذهبت بسلة ورود إلى رفعت عيد، لكنني أعرف أنه سيعود ويطلق قذائفه متى عاد وأمره النظام السوري بذلك".
واتهم علوش النظام السوري بأنه "يحرك عملاء له على الطرفين، أي في جبل محسن وباب التبانة، لتبقى حالة الاقتتال قائمة".

وفي المقابل، اتهم عبد اللطيف صالح، من الحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن، مقاتلي باب التبانة بأنهم "بعد أن هدأت الجبهة قليلا، ذهبوا إلى ما هو أشد وأدهي. فهم يعملون على حرق ممتلكات الطائفة العلوية في طرابلس". ويؤكد صالح أن "ثمة محاولة حصلت لحرق منازل في منطقة بعل الدراويش وتم إخماد النيران، كما اشتعلت نار في محل للقهوة في طرابلس لمجرد أن صاحبه من الطائفة العلوية". لكن يبدو أن الحريق بقي محدودا، وأضراره طفيفة.
وإذ بدا أمس أن كل جهة تحاول تحميل المسؤولية للجهة المقابلة، بقي السكان أسرى هذا الصراع الدموي الذي أوقع 50 جريحا، معظمهم أصيبوا بسبب انتشار القناصة الذين يصوبون رصاصهم صوب المارة الأبرياء.
وتحدث مسؤول في إحدى المؤسسات التجارية المعروفة في طرابلس، رافضا الكشف عن اسمه هو الآخر قائلا: "لا أحد يعلن عن كل خسائره، لكن مؤسستنا بدأت بتسريح بعض العمال، وجلهم من مناطق الاقتتال الذين لا يتمكنون من الوصول إلى العمل في أيام كثيرة، ولا يستعاض عنهم، في الوقت الحالي، لأن الوضع في غاية السوء. المسلحون لا يتجاوزون المئات، ونحن أكثر من نصف مليون شخص، نعاني من ممارسات أقلية مهيمنة".
وشرح المسؤول في المؤسسة التجارية لـ"الشرق الأوسط" أن "الوضع تصاعد منذ ما يقارب عشرين يوما، وهذا كان كافيا لضرب العديد من المهن، وعمالنا في أغلبهم مياومون، ولا أتصور أن فقراء طرابلس يتحملون المزيد من التعطيل، والبقاء من دون مداخيل".

وتجمع عدد من الشبان أمام سرايا طرابلس عند السادسة من مساء أمس، حاملين لافتات تندد بالتسلح والاقتتال، مطالبين بعودة السلام إلى مدينتهم.
وتشهد طرابلس اليوم إضرابا وحدادا لجميع القطاعات بدعوة من غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال، والاتحاد العمالي العام في الشمال، والنقابات وعدد من هيئات ومؤسسات المجتمع المدني. وتمت الدعوة أيضا إلى لقاء مصارحة ومصالحة بين الفعاليات وأحياء منطقة التبانة وجبل محسن والقبة والتأكيد على تثبيت السلم الأهلي، وإطلاق يد الجيش والقوى الأمنية الرسمية لوضع حد للاقتتال، واللجوء إلى كل أشكال التعبير الديمقراطي والسلمي للحفاظ على أمن المدينة واستقرارها.  

السابق
الأنوار: حوادث متفرقة في طرابلس… وتحذير امني من طابور خامس
التالي
مافيات الحدود