الحرب تبدأ.. شمالاً؟

أجواء.. التوتر التي سادت لبنان في اليومين الماضيين على خلفية اندلاع المواجهات المسلحة في مدينة طرابلس شمال البلاد بين منطقتين ونهجين فكريين وولاءين سياسيين، تبدو في الشكل نموذجية لحالة الفوضى التي يمكن أن تعم معظم المناطق اللبنانية إذا فلتت الأمور من عقالها، ذلك أن ما حصل من اشتباكات أسفرت عن سقوط 14 قتيلاً وعشرات الجرحى على ما تم تداوله إعلامياً لم تعرف اسبابه المباشرة، عدا تلك التي نام السكان عليها كاختطاف فلان أو اعتقال آخر أو حتى خلاف فردي قد تطور الى مشكلة امنية على شاكلة أحداث الأمس، ما يدعو الى التفتيش عن اسباب اخرى قد تؤدي الى ما أدت اليه من خسائر.

باتت المنطقتان المشتبكتان «باب التبانة» و»بعل محسن» تمثلان صورة مصغرة عن الحرب الأهلية التي عانى منها لبنان طيلة 15 عاماً، استعادت معها وسائل الإعلام كل المفردات التي كانت أصبحت من الماضي لولا استخدامها من جديد، اشتباكات، قصف، قنص، محاور، هدوء حذر، ونتائجها من قتلى وجرحى، خسائر مادية، ناهيك عن التعابير الأخرى التي تقسم المناطق بحسب الأغلبية المذهبية أو الطائفية التي تحكمها. لكن الجديد هو تلك «القوالب» التي توضع فيها الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية وجيشها الوطني، والتي تحتاج جميعها الى أذونات من قوى محلية وأغطية سياسية لتدخل منطقة وتتمركز فيها أو تحاول التصدي لمن يعبث بأمن البلد وعلى المستويات كافة.

وبعيداً عن الأسباب المباشرة التي أدت الى اندلاع الاشتباكات في جولة جديدة، فإن هناك من يسعى الى السيطرة الكاملة على منطقة الشمال وتنقيتها من أية قوى محلية غير مندمجة في خطه السياسي، وهو ما كشفت عنه مصادر أمنية حزبية، قالت، إن جهات سياسية أعطت تعليماتها لقواها على الأرض لبسط نفوذها بالحد الأقصى، لا سيما بعد حادثتي اعتقال الشاب شادي مولوي المحسوب على تنظيم إسلامي متشدد، وحادثة تبادل إطلاق النار بين الجيش وموكب الشيخ عبد الواحد في الكويخات والتي أدت الى مقتله.

وتشير المصادر الى أن تعليمات هؤلاء السياسيين تندرج ضمن خطة محلية – إقليمية الهدف منها تحرير المنطقة أمنياً تحقيقاً لحرية التحرك على الحدود الشمالية للبنان مع سورية وبما ينسجم مع واقع أن المنطقة تشكل عمقاً استراتيجياً للمسلحين الذين يحاربون في سورية إضافة الى أنها تشكل البيئة الحاضنة لهم ولكل النازحين السوريين حيث باتت قرى المنطقة تغص بهم، وقد بادرت المملكة العربية السعودية الى تقديم العون المادي لهم في اكثر من 100 بلدة وقرية وعبر إدارات محلية مثل البلديات والمخاتيروغيرهم من الجمعيات الأهلية والمدنية.

إلا أن ذلك يوفر ايضاً ملاذاً آمناً للمسلحين ومخزناً استراتيجياً لسلاحهم ومنطلقاً لتحركهم باتجاه الداخل السوري، حيث تستمر المواجهات في غير منطقة وبلدة وقرية مع الجيش السوري وقوات حفظ النظام في البلاد فيما يشبه حرباً تخوضها دول عبر عصابات مسلحة منها ما يعرف بـ»الجيش السوري الحر» وقوى اخرى شكلت نفسها بعدما استطاع الجيش السوري بسط سيطرته على حمص وبابا عمر وانتزاعها من أيدي المسلحين المتشددين الذين فروا وتوزعوا على الحدود السورية مع لبنان وتركيا. غير أن ما يمكن فعله في لبنان الذي يعيش خلافات سياسية حادة وفوضى عارمة قد لا يمكن فعله في تركيا التي تراعي بعض مصالحها لا سيما الاقتصادية مع دول مؤثرة في المنطقة، ما يفرض على الدول الراعية لهؤلاء المسلحين تأمين ملاذ آمن لهم، وهو ما لم تستطعه تلك الدول عبر الضغط السياسي ولا عبر المنظمات الدولية، لا سيما مجلس الأمن لإنشاء «منطقة عازلة» لا على الجانب التركي من الحدود ولا على الجانب اللبناني منها.

تشير المصادر الى أن التوترات الأمنية تهدف الى فرض أمر واقع يؤدي الغرض من إنشاء مثل تلك المنطقة العازلة أو المنطقة الحرة، بحيث تغيب سلطة الدولة أو تحجّم الى أقصى الحدود وبالتالي فإن هذا الأمر يحتاج الى تقليم أظافر الدولة من جهة والقوى السياسية الأخرى ذات الفعالية على الأرض من غير الخط السياسي الذي يؤيّد مشروع التحالف الغربي- العربي لإقامة تلك المنطقة – بصرف النظر عن اسمها – التي يحتاجها في حربه ضد الدولة في سورية كما يحتاجها في اي مشروع على مستوى لبنان وربما على مستوى المنطقة في أي استحقاق مقبل لا سيما الأمني والعسكري منه، لتصبح بداية الحرب من الشمال، إن أهلية كانت أو غير ذلك، وهذا «التحرك» شمالاً أو «المشروع» ينسجم مع سيناريوهات بدأ الحديث عنها دولياً وفي أروقة الأمم المتحدة تطرح كبدائل في حال سقطت خطة كوفي أنان ذات النقاط الست.

تقول المصادر إن منطقة بعل محسن التي تسكنها أكثرية علوية مؤيّدة للدولة في سورية حاولت عدم الرد على إطلاق النار الذي استهدفها رصاصاً وقصفاً وقنصاً، لكنها عادت وردت بعد استمرار المسلحين في باب التبانة في فتح النار عليها وبعد فشل الاتصالات في تأمين دخول الجيش اللبناني للفصل بين المتقاتلين وحماية بعل محسن من الاعتداءات التي يبدو أن الهدف منها تحقيق أمر من اثنين، إما تهجير أهلها وهذا ما يمكن أن يؤدي الى حصول «مذابح»، أو فرض حصار عليها من قبل القوى الأمنية اللبنانية تحت عنوان حمايتها.

واعتبرت المصادر دخول فرع المعلومات على خط الاشتباكات من خلال مشاركته فيه عبر تولي عمليات القنص بحسب ما قيل يشير الى أن المخطط له يبدو أكبر من حوادث فردية تؤدي الى اشتباكات «محدودة» ولو أن نتائجها بسقوط هذا العدد الكبير من الضحايا قد يخرجها عن هذا التوصيف.  

السابق
محنة طرابلس في عجز الدولة!
التالي
مع من يقف الفلول الخليجيون؟