حزب الله يلتف من الشمال الى الحوار

هل يمكن ان تنتقل احداث الشمال الى بيروت؟
الطبيعة السكانية في طرابلس مختلفة عما هي في بيروت او بقية المناطق خارج الشمال عمومًا. والاختلاف هنا يقوم على التالي: في ظل تصاعد الخطاب لدى النظام السوري، ومحاولته نقل المعركة الى لبنان الملاحظ ان الاستجابة الشيعية ليست متوفرة كما يرغب النظام السوري. فهذا النظام يتعامل مع العلويين في بعل محسن على قاعدة ان "سقوطي هو سقوطكم، ونجاتي نجاتكم"، فيما الشيعية السياسية في لبنان لا تستجيب لهذا الخطاب. قد يكون حزب الله في لبنان يمارس شيئاً من الانسحاب التكتيكي او رسم المسافة مع الازمة السورية، ولسان حاله يقول للنظام السوري: أنا مستعد لمساعدتك ولكن ليس الى حد الموت من اجل استمرارك.

ثمة حسابات اخرى للشيعية السياسية، برزت مظاهرها في عدم الاستجابة للاستفزاز ومنع استدراجها الى جدل حام حول ما يجري في سورية او في الموضوع السني – الشيعي. وأي مراقب ومتابع لحزب الله يكتشف بسهولة انه لم يعتمد من قبل هذا السلوك الحالي المنضبط والضابط ولا الخطاب الذي يخلو من التخوين في السنوات السابقة، وفي ظل تحديات سياسية وامنية مشابهة. وفي توقيت لم يختره.
لذا اندفع حزب الله الى تأييد دعوة رئيس الجمهورية لاطلاق طاولة الحوار وبحماسة غير مسبوقة كما تلهج ألسنة العديد من مسؤوليه هذه الايام. وفي خطابه الاخير قدم السيد حسن نصر الله تطلعات من قبيل "المؤتمر التاسيسي الوطني المنتخب"، و"أهمية قيام الدولة والحوار بين اللبنانيين". في هذا الكلام كان يعطي اللبنانيين من كيسهم. فيما المطلوب من قائد اكبر واقوى حزب في لبنان ان يقدم اجابات واضحة عن ازمات ضاغطة. فاللبنانيون جميعهم يريدون الامن وحل الازمات المعيشية والاجتماعية، ومعالجة قضية انتشار السلاح غير الشرعي.

ونصر الله مطالب بأن يقدم رؤية تفصيلية لوظيفة المقاومة وسلاحها في سياق مشروع الدولة، تلك التي من اول تعريفاتها انها "تحتكر سلطة الاكراه المشروع". فما هي الرؤية لتحويل المقاومة من مشروع تعبئة دينية في الحد الادنى الى "مقاومة وطنية لبنانية"، تقوم على التعبئة الوطنية وعلى ادبيات ترسخ الاجماع الوطني حولها. إذ لم يعد جائزاً في هذا السياق ان تكون اولى الدوريات التي يجري من خلالها تثقيف المقاومين اللبنانيين وتعبئتهم هي دورية "بقية الله". والأدبيات هذه لا علاقة لها سوى بالسماء، أي لا بالمكان ولا بالزمن السياسي والوطني الذي تنتمي اليه المقاومة – لبنان. وامس مرشد الثورة الاسلامية وقائد حزب الله السيد علي خامنئي في ذكرى رحيل الامام الخميني، كان يربط التقدم في الدولة في ايران والدول العربية بمدى تعزيز"مفهوم العزة الوطنية". والسؤال هل يتم ذلك في لبنان بتعبئة دينية لمشروع المقاومة ان لم نقل بعزّة مذهبية؟

والاجماع الوطني الذي تحدث عنه السيد نصرالله هو بالتأكيد احد شروط الدولة، لكن يجدر سؤاله هو تحديدا: كيف أمكن الخروج على هذا الاجماع في السنوات الماضية ولماذا التمسك به اليوم كخشبة خلاص هل هي القناعة ام موازين القوى المتحركة؟
أما الجيش، الذي دافع السيد نصر الله عنه، فيجب الإعتراف قبلا أنّه لم يعد لديه الثقة بنفسه. وثقافة التشكيك بهذه المؤسسة تراكم ثقافة. حزب الله أساس في صنعها. ولا تغيب في هذا السياق المعادلة الذهبية: "الشعب والجيش والمقاومة". هذا اصطلاح "فضائي" لا فعل ميدانياً له. فأين هي المؤسسة الوطنية التي تشرف  وتشكل المرجعية الوطنية والمسؤولة امام المؤسسات والشعب في ادارة هذه المعادلة وتفعيلها؟
ورمي فكرة "المؤتمر التأسيسي الوطني على طاولة الحوار اليوم" هو التفاف ذكي على اولويات الحوار واحتفاء بالشكليات على حساب المضمون، فالمؤتمر التأسيسي عادة ما يتشكل بعد ثورة أو بعد تغيير سلمي نوعي في النظام السياسي أما في لبنان فسيكون نقاشًا عقيمًا.

قال السيد نصر الله، مخاطبا خاطفي اللبنانيين بسورية، الذين اشترطوا اعتذاره ليطلقوا سراحهم: "بدكن حوار مستعدين… وبدكن حرب مستعدين". لم يكن في حاجة الى هذا الكلام، لأن أحدا لن يشكك بجرأته او قوته لو اعتذر عن محاربتهم حتى لو ارادوا ذلك. في ذلك تجاوز لعقلية الدولة ومنطق رجالها في الحد الادنى. وهو يعكس في جانب منه الاستغراق في هاجس القوة المفرطة والقدرة الذاتية، المعزولة عن شراكة وطنية فعلية.. منفصلة عن الدولة
 

السابق
انان: خطتنا ذات النقاط الست لم تطبق كما ينبغي والمسؤولية الكبرى على النظام السوري
التالي
اللواء: سليمان يتبلغ من أمير الكويت استمرار الدعم ومغادرة آلاف العمال السوريين إلى بلادهم