معركة سوريا في شمال لبنان

لا شك في أن من اتخذ قرار اعتقال شادي المولوي، كان يتوقع ردة فعل طرابلس. ولا شك أيضا في أن ردة الفعل خدمت كثيرين في داخل لبنان وخارجه. وجاء مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد في عكار، ثم اقتحام مقر شاكر البرجاوي في الطريق الجديدة، ليكمل المشهد، فدخل الشمال اللبناني بتياراته وأحزابه وفقرائه في لعبة تتخطى الشمال ولبنان.
في الحسابات الدقيقة، يمكن سرد الملاحظات التالية:

• خرج السلاح من أوكاره، فما عاد باستطاعة خصوم "حزب الله" وسوريا القول بأن السلاح هو حكر على الحزب. ربما كان هذا مقصودا من قبل الذين اعتقلوا المولوي. وربما كان مقصودا من قبل القائلين بضرورة إنهاء الوضع في سوريا لمنع توسع رقعة الحرب.
• تبين أن الشمال قد تحول إلى منطقة تثير قلق الغرب، ذلك أن الصور التي تناقلتها محطات التلفزة العالمية، لا تذكر الغرب إلا بالتطرف و"القاعدة".
• جاءت الاشتباكات في بعض طرابلس وعكار بعد زيارة السناتور الاميركي جو ليبرمان إلى منطقة الحدود اللبنانية ـ السورية. لم يدفعه الى هناك طبعا عطفه على فقراء عكار وهو المعروف تاريخيا بمواقفه المناهضة للعرب من غزة الى العراق.
• تبين أيضا ان محاولة انهاء ظاهرة شاكر البرجاوي في قلب بيروت، قد أعدت على نحو دقيق وكشفت عن تنظيم وتسليح لم يكن متوفرا في 7 أيار الشهير. خدم هذا الواقع الموقف الروسي في المنابر الدولية القائل بوجوب وقف تمويل المعارضين السوريين وتسليحهم لأن النار قد تنتقل الى هشيم دول اخرى مجاورة.
• ظهر جليا أن السياسة اللبنانية للنأي بالنفس عن أحداث سوريا، قد فقدت معناها. انتقلت الأزمة السورية بكل ثقلها الى الشمال ووصلت الى بيروت. أصدقاء سوريا يقولون ان الشيخ عبد الواحد وشادي المولوي متورطان بهذه الأزمة على نحو كبير.

لا يمكن فهم كل ذلك، من دون المرور بما يحصل في المنطقة. أبرز ما يحصل هو الحديث عن تقارب ايراني – اميركي قد يفضي في بغداد الى بداية تفاهم على المشروع النووي. من المفترض ان يقلق ذلك بعض دول الخليج وكذلك اسرائيل.
صحيح ان قمة الدول الصناعية الثماني لم تشهد اتفاقا حول سوريا، وأن موسكو أعادت التذكير برفضها قلب النظام بالقوة وتشديدها على الحل السلمي، الا ان المستشار في الكرملين ميخائيل مارغيلوف قال ان النظام السوري "لم يطرح بعد افكارا تعتبر بالفعل جديدة وإنه لا يمكن استخدام الفأس لحل الازمة في سوريا، لا بد من استخدام ملاقط صغيرة". الملاقط الصغيرة هذه هي اشارات روسية ذكية نحو نقاط تفاهم محتملة تقوم على أساس تشجيع الحل السياسي التفاوضي بين السلطة والمعارضة بدلا من تشجيع الاقتتال وتسليح المعارضين.
كل الخلاف الاميركي الروسي الحاصل حاليا بشأن سوريا يتعلق بشخص الرئيس بشار الأسد. الرئيس الاميركي باراك اوباما جاهر منذ اكثر من 9 اشهر بضرورة رحيله، فلا بد من البحث عن حل. لم يعد النظام السوري هو المقصود لأن هذا النظام قادر من دون غيره على ضبط "القاعدة" التي تخشاها اميركا وربما لاحقا ضبط التمدد الاسلامي. المقصود هو شخص الرئيس الاسد. يحاول الاميركيون ومعهم دول غربية اقناع روسيا وربما من خلفها إقناع ايران بتسوية على الطريقة اليمنية. لكن طهران وربما موسكو ايضا تعتبران ان بقاء الرئيس هو ضمان لبقاء النظام.

من السذاجة بمكان عدم التوقف عند التحولات الاميركية في ملفي إيران وسوريا. كل مهمة كوفي انان هي حصيلة التفاهم الاميركي – الروسي، وما زيارة مدير وكالة الطاقة الدولية يوكيا امانو الى طهران الا ثمرة هذا التفاهم.
حين تقترب المعادلات الدولية من احتمالات التفاهم تشتعل بؤر عديدة. يمكن ان نفسر شراسة الهجمات والتفجيرات في سوريا من هذا المنظور، ويمكن ان نفهم انتقال الحريق الى لبنان من هذا المنظور أيضا، وينسحب الأمر على البحرين واليمن وأفغانستان والعراق وغيرها. وما كان السيد حسن نصر الله ليرفع خطاب توازن الرعب مع اسرائيل في هذه المرحلة، لولا إدراكه أن المعادلات الإقليمية والدولية تتطلب ذلك، وما كانت اسرائيل لتغير حكومتها وتوحي بانزعاج واضح من التقارب الايراني الاميركي لولا هذه المعادلات. وما كانت دول الخليج وفي مقدمها السعودية تحاول تسريع اقامة الاتحاد الخليجي لولا الشعور باحتمال تعرضها للخديعة من قبل أميركا الساعية للتقارب مع ايران لضرورات انتخابية وللعجز عن انهاء البرنامج النووي بالقوة. وما كان الأمن العام اللبناني ليقدم على اعتقال المواطن القطري عبد العزيز العطية لولا القناعة بالقدرة حاليا على اعتقال رجل له مكانة حساسة في قطر وبين الإسلاميين.
قد نكون الآن امام معركة سوريا في شمال لبنان، وقد تكون المعركة على سوريا من الشمال اللبناني. ثمة من يستطيع توظيف كل مظاهر التطرف للقول بضرورة عدم سقوط النظام السوري لأنه الوحيد القادر على لجم ذلك لاحقا، وثمة من يستطيع توظيفها للقول بضرورة تدخل دولي لعدم توسع رقعة الحريق السوري.

ان ما يحصل في الشمال وبيروت مرشح إذاً للتكرار والتفاقم. وما يحصل في سوريا مرشح لمزيد من الدماء لفترة قد لا تكون قصيرة. يدرك النظام السوري ومعه إيران وروسيا ان الكثير من هذه المعادلات سيتوقف على قدرته على الاستمرار والإمساك بخيوط الاوضاع عنده، وتدرك المعارضة والمسلحون ومن خلفهم بعض الدول الخليجية والغربية ان فترة التقارب الدولي قد تقلب الكثير من الامور. المعركة ستزداد شراسة لأن كل طرف يريد تحسين شروط التفاوض.
على أرض سوريا ولبنان، يجري جزء كبير من التفاوض الاقليمي والدولي، وما لم نفهم ذلك، فالباقي هرطقات محلية لبنانية لا تؤدي سوى لمزيد من اقتتال الفقراء على مذبح مصالح الآخرين.

السابق
مساعٍ لعقد لقاء وطني في صيدا وبري يوصي بعدم قطع طريق الجنوب
التالي
إيران تضخّ مساعدات مالية للنظام السوري