لماذا يلتزم حزب الـله الصمت؟

ليس هناك طرف داخليّ يدرك ما يريد أكثر من «حزب الله». وهو بهذه الميزة انتقل من موقع «شبه المهزوم» داخليّاً في العام 2005، إلى موقع «شبه المنتصر»… وإن كان مبكراً اكتشاف الرابحين والخاسرين في حربٍ تبدو طويلة وحافلة بالمفاجآت.
رأسمال "الحزب" هو سلاحه. هذا مؤكّد. ولولا هذا السلاح واستخدامُه والتهديد باستخدامه في الداخل، لما كان "الحزب" في وضعه الحاليّ. هذا الكلام الذي يقوله فريق 14 آذار لا يمكن إنكاره.

لكن على خصوم "حزب الله" أن يعترفوا بامتلاكه وضوحاً في الرؤية يسمح له بالحفاظ على رأس المال وتطويره في "مشاريع منتجة". فيما هؤلاء الخصوم مصابون بالإرباك – تحت الضغط – بين محاولات بعضهم "إنقاذ رأسه" ومراهنة بعضهم الآخر على تسويات غير واقعيّة أو انتظار المخارج الجاهزة.

واليوم تبدو مثيرةً طريقة تعاطي "حزب الله" مع التطوّرات الأمنية والسياسية الأخيرة. وجاءت هذه الطريقة بعد اتّصالات ومشاورات دارت بين الحلفاء للتفاهم على السبيل الأنسب للتعاطي مع الأحداث. وكان بعض هؤلاء يميل إلى أفضلية الانخراط في المواجهة الحاصلة، لعلّ ذلك يساعد على استثمار نتائجها السياسية سريعاً.

لكنّ الاتّجاه الراجح كان البقاء على مسافة من الأحداث، بما يوحي للرأي العام في الداخل والخارج بأن لا علاقة لدمشق ولا لـ"حزب الله" بما يجري. ومن ثمّ المسارعة إلى قطف الثمار في شكل "نظيف".

ينأى بنفسه تكتيكيّاً ليستثمر استراتيجيّاً!

لذلك، التزم "حزب الله" جانب الصمت إزاء ما يجري. حتّى إنّه لم يبادر إلى الردّ على الاتّهامات التي تعتبره ضالعاً فيها، ولو في شكل غير مباشر، من خلال توزيع السلاح في المدينة على مدى سنوات. وهذا الصمت هو جزء من تكتيك يريد "الحزب" أن يوحي من خلاله وكأنّه ينأى بنفسه عن نزاع يحمل في جانب أساسيّ منه طابعاً مذهبيّاً، أي سنّياً – علويّاً، ويتداخل مع الملف السوري. كما أنّه لا يريد إحراق أصابعه في نزاع يبدو في الظاهر وكأنّه بين السنّة في طرابلس والقوى والأجهزة الرسمية اللبنانية.

فالأزمة كانت مع الأمن العام في حادثة اعتقال شادي المولوي، ومع الجيش اللبناني في حادثة اغتيال الشيخ أحمد عبد الواحد ورفيقه، وهي دائماً مع القضاء والسلطات المعنية في قضية الموقوفين الإسلاميّين. ولا مصلحة لـ"الحزب" في إقحام نفسه بنفسه في هذه الملفّات، ما دام قادراً على البقاء بعيداً عنها وقطف ثمارها لاحقاً.

وعلى العكس من ذلك، يستفيد "الحزب" من الحساسيّات والإشكالات القائمة بين القوى المناهضة له والأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية، ويهمُّه تعميقها.

ويريد "الحزب" كذلك أن يبعد نفسه عن مخاطر ظهوره طرفاً مذهبيّاً لا يتدخّل في منطقة ذات غالبية سنّية هي طرابلس وعكّار. وكذلك، هو يتجنُّب إحراق صورته في محلّة "الطريق الجديدة"، فيما الاحتقان المزمن الذي تُخلّفه ذكرى 7 أيّار 2008 ما تزال قائمة في الوسط السنّي، والبيروتي خصوصاً.

فالاشتباكات دارت هذه المرّة بين السنّة المناهضين لـ"الحزب" وأولئك المتحالفين معه، أي شاكر البرجاوي وأنصاره. وقطف "حزب الله" ثمار هذا التصادم "الأهلي" من دون التدخّل فيه.

فاستند إلى ذلك ليقول إنّ السلاح كان موجوداً أيضاً في أيدي خصومه يوم 7 أيّار، وإنّ الهجوم الذي تعرّض له مكتب برجاوي في بيروت لم يتعرّض له أيّ مكتب لتيّار "المستقبل" في ذلك اليوم.

وينتظر "حزب الله" أن تتفاعل التطوّرات في المناطق السنّية وفقاً للاتّجاه الذي يطمح إليه حلفاؤه في دمشق، أي في اتّجاه تقديم إثبات للمجتمع الدولي أنّ الساحة السنّية اللبنانية يحكمُها المتطرّفون ومخروقة بالإرهابيّين المرتبطين بتنظيم "القاعدة"، والذين يزعزعون الاستقرار في لبنان وسوريا والعراق على حدّ سواء، ما يستدعي من القوى الدولية إعادة تكليف النظام القيام بدوره "التقليدي" كـ"حارس للاستقرار".

وهذا التكليف يستفيد منه "الحزب" وسائر حلفاء النظام. وتصل الفائدة المرجوّة إلى مداها الأقصى، إذا نجحت الخطّة المرسومة في إحياء الدور الأمني والعسكري السوري مباشرة في لبنان، بعدما تولّاه "الحزب" منذ نيسان 2005.

لذلك، يصمت "حزب الله" تكتيكيّاً، حيث يَنتظر أن يقطف الثمار استراتيجيّاً. وهو، حتّى الآن، أظهر براعة في استثمار الصمت كما الحملات السياسية.

السابق
ضغط 8 آذار
التالي
نكس بالوعد