صناعة الطائفية !

في تدريس مادة الثقافة الاسلامية (مقرر عام)، نطرح على طلابنا التساؤل التالي «ما سبب الجهد الكبير الذي يبذله الغربيون في الاهتمام بالآثار والحضارات المحلية القديمة في عالمنا العربي والاسلامي، والحرص الملحوظ في تخليد وتمجيد هذه الآثار في المتاحف الوطنية، كتماثيل الفراعنة بمصر، وأصنام السومريين بالعراق؟ ولماذا هذا التضخيم لحضارة قورش بإيران، والتنقيب عن آثار الفينيقيين في لبنان، وذكريات الكنعانيين بفلسطين، وتثوير الأصول البربرية بالمغرب، وإحياء الانتماء للطورانية في تركيا؟ وفي كل بلد مسلم عمل الاستعمار على جبهتين صناعة مثقفين يتنكرون لتراثهم ويزدرون حضارتهم ويتهمون دينهم ويروجون البضاعة الفكرية الجديدة المستوردة بطريقة يستحي المستعمر منها ويتحفظ. لأن المقلد المهزوم أشد تعصبا وفتنة ببضاعة سيده.

أما الجبهة الثانية، فهي صناعة قادة منبتي الصلة بأمتهم، هم أشبه بغزاة من داخلنا ولعل في مصطفى كمال أتاتورك الذي فصل الأمة التركية عن جذورها وانتمائها لدينها وتاريخها خير مثال على ذلك، وفي كتاب «أرمسترونغ» «الذئب الأغير» ما يكفي عن هذا المنسلخ عن أصالته والسالخ لأمته.

هذا بعض ما نورده للطلبة ونطلب منهم النقاش حوله، هل فعلا ما نقوله مبالغة أو واقع أم بين هذا وذاك… ثم أقفز في الحديث من هذا التنظير التاريخي الى واقعنا المعاصر، بل الأحداث المحلية، لنقول للجيل الجديد الذي يتلقى على مدار الساعة رسائل الشتم المتبادل والشحن في الكراهية بين المتنافسين، أو المتصارعين، ليقعوا في التعميم بالأحكام الظالمة على مخالفيهم، ويسود الشك العام، ثم تتسرب مبادئ الخبث في استباحة (الآخر) في الغش والخداع والتمني له بالهلاك… ان الاستعمار رفع يده المباشرة وأصبح بمثابة المحرك المستفيد والراصد الذكي والمستثمر للصراعات وازدياد التوترات الطائفية وغيرها ليرثها جيل لا يحتاج الى متاحف لتراثه القديم بل لفيديوهات المذابح الجديدة تعرض عليه قبل المنام وفي الصباح الباكر. وللحديث بقية.

السابق
إيران تضخّ مساعدات مالية للنظام السوري
التالي
العاصفة على لبنان: الإستهداف والإستنزاف