ولّى زمن المكبّ

إسم جديد يطلّ على مشارف الأزمة السوريّة – اللبنانيّة هو الديبلوماسي الدكتور بشّار الجعفري، من خلال رسالته الأخيرة الى مجلس الأمن حول لبنان "مأوى الإرهاب؟!".
دغدغت رسالته مشاعر الغرب، والأميركييّن بشكل خاص، عند حديثه عن "القاعدة".

العنوان جاذب ومغر، خصوصا عندما يقوم النظام بمواجهة من تلاحقهم الولايات المتحدة من أفغانستان، الى اليمن، الى أصقاع الأرض. وتضمّنت رسالته لأول مرّة، اعترافا بوجود مشكلة حدوديّة مع لبنان، اختصرها "بالمعابر المفتوحة أمام السلاح والمسلحين"، إنها المشكلة التي تجاهلها النظام طوال السنوات السابقة، ومنذ صدور القرار 1559 عن مجلس الأمن.

يومها كانت الحدود كلمة غير مرغوب سماعها، لأنها كانت تعني المجال الحيوي مع لبنان، إن بالأمن او الاقتصاد او السياسة… لذلك، فشلت كلّ محاولات ترسيم الحدود.

وعندما تحدّث تيري رود لارسن مؤخرا عن القرار 1559، جوبه بانتقاد سوري "كونه يسوّق لمشروع تدخل أميركي في شؤوننا الداخليّة". الرفض لم يتغيّر بل الهدف، كان رفض القرار في السابق نابعاً من مصلحة سوريا، لأنّ النظام كان المستفيد من نعمة الحدود.

اليوم يرفض لأنه يخشى نقمتها من ان تصبح رسميّا تحت رحمة المعارضة، ودول أصدقاء سوريا. لذلك جاءت عروض الجعفري مغرية، لعلّ الأميركي يسمع، ويُقدم على عرض جديد؟!.

والمفاجأة أن الرئيس نجيب ميقاتي قد انتقد الجعفري "بغضب مكبوت"، وخرج رسميّا ولأول مرّة عن سياسة النأي بالنفس، وقال كلاما لم يسمعه النظام السوري من قبل، نظرا للمؤشرات والخلفيات الكثيرة، ومنها: "زمن الأول تحوّل، ولبنان لم يعد مكبّا للنظام السوري، يكبّ عليه تصريحاته ومواقفه بما يخدم مصالحه من دون أن تحرّك بيروت ساكنا، ويكبّ عليه نفاياته السامّة من أمنيّة ومخابراتيّة، ليعزّز من تحالفاته الدوليّة، ويستفيد من الصفقات المَمهورة بخاتم التعاون الأمني – المخابراتي".

لقد أتعب النظام الرئيس ميقاتي، ووضعه في طرابلس والشمال لا يحسد عليه، فيما وصل الجميع الى الخيارات الصعبة، وأصبح الاستقرار بحاجة الى معجزة لتأمين استمراريته، في بلد يريد أن يجمع كل الأضداد، ويتعايش معها، وهو منقسم على نفسه الى مشاعات خارجيّة، هذا يشرّق، وذاك يغرّب، فيما تتبادل الغالبيّة ما بينها لغة التخوين والانفعال، والخطاب السياسي الكيدي، المَحقون طائفيّا ومذهبيّا.

وجاءت الرسالة من الخليج بعنوان محلّي، لكن بمضامين مختلفة، لتؤكد بأن سياسة النأي بالنفس غير واقعية، إنها سياسة حكومة تدعم غالبيّة مكوّناتها النظام السوري، مقابل معارضة لها معه حسابات جارية، ودفتر طويل من المآخذ المفتوحة عليه منذ العام 2005، وربما ما قبله أيضا.

ويرفض الخليجيّون أن يدفعوا ثمن مواقفهم من سوريا على الساحة اللبنانية، لذلك اتخذوا ما اتخذوه من مواقف قد يكون لها أثر في مجريات الأمور، طبقاً لخلفيات من مظاهرها توقيف القطري عبد العزيز العطيّة في قضيّة شادي مولوي، ثم الإفراج عنه لتلافي تداعيات كانت ستتسبّب بطرد أكثر من 50 ألف لبناني يعملون في الدوحة.

وكان الموقف الخليجي متضامنا مع قطر، ومع "كلمة سر" تنبىء بوضع غير مستقرّ على الساحة اللبنانية، بعد أن تعثرت مهمّة المراقبين الدوليين في سوريا، ولم تتمكّن من وقف العنف، ووضع النقاط الست لـ كوفي أنان موضع التنفيذ، ودخول "القاعدة" على الخط، والتي وفّرت إطلالة للجعفري من على منبر الأمم المتحدة، كي يسمع الغرب الأميركي والأوروبي، وينقل المشهد المتوتر من الداخل السوري الى العمق الشمالي – البقاعي.

لقد شعر الرئيس ميقاتي بالخطر، وبهجوم يستهدفه من جهات أربع: دول مجلس التعاون الخليجي، ودعوة مواطنيهم الى عدم السفر الى لبنان، والطلب من رعاياهم المغادرة، وإعادة النظر بأوضاع اللبنانيين في تلك الدول، كلّ ذلك لأن النظام السوري قرر أن يصفّي حساباته مع الخليجيين في لبنان، وان يحمّل اللبنانيين، والاقتصاد اللبناني التبعات.

وجبهة الداخل بعد ان تحوّلت ساحة النور في طرابلس الى ساحة تصفية حسابات ما بين السلفيين ورئيس الحكومة، وساحة المفاوضات الصعبة حول المطالب الممكنة وغير الممكنة.

وجبهة عكّار بعد اهتزاز الثقة مع المؤسسة العسكريّة، والمطالبة بسحب الجيش قبل استدراك ما تمّ استدراكه بشروط ومطالب تكاد أن تكون تعجيزيّة. وجبهة رحيمي – فيلتمان التي بدأت تفرض معادلة: سلاح سلفي مقابل سلاح "حزب الله"، ودويلة سنيّة مقابل دويلة "حزب الله" الشيعيّة.

جاء الجعفري ليستثمر، فلم يجد ميقاتي، وإنما وجد الأصولي، وبقي على ميقاتي أن يستنتج العبر.

السابق
اللواء: بيروت تلملم جراحات الطريق الجديدة .. وعكار تدفن الفتنة مع شهيديها
التالي
وثيقة الجعفري ومضبطة الاتهام