الشرق الأوسط: لبنان: طرابلس تتوجس من الاشتباكات المتنقلة والجيش يعيد انتشاره

لليوم السادس على التوالي، بدت عاصمة الشمال اللبناني طرابلس مشلولة ومتوجسة أمس. فبالكاد فتحت بعض المحال أبوابها لتعود وتغلق سريعا، فيما بقيت حركة المارة خفيفة وكأنما اكتفى السكان بالخروج لقضاء ضروراتهم الحياتية الملحة. وتحسبا أقفلت المدارس والجامعات، ويبدو أنها ستبقى على هذا الحال حتى نهاية الأسبوع.

وكانت اشتباكات عنيفة قد تجددت منذ عصر أول من أمس، رغم انتشار الجيش وتمركزه في منطقتي باب التبانة وجبل محسن، وعلى خطوط التماس. ولوحظ انتشار مسلحين في أحياء مدينة طرابلس وبعض شوارعها، كما أطلقت أعيرة نارية من سيارات كانت تواكب الجرحى، في شوارع لم تعتد رؤية المسلحين أو سماع أصوات رشاشاتهم. هذه الأجواء المستجدة وخروج نطاق المعركة عن حدود بقعتها الجغرافية في جبل محسن وباب التبانة أرعب السكان.
وظلت الاشتباكات عنيفة حتى ظهر أمس. ويبدو أن قرارا حاسما قد اتخذ لوضع حد لما يجري في طرابلس، فوصل رئيس الوزراء نجيب ميقاتي إلى طرابلس، وعقد اجتماعا سياسيا وامنيا، طلب على أثره إقامة حواجز ثابتة ومؤللة للجيش في كل أنحاء المدينة، والتعامل بحزم والتصدي لأي ظهور مسلح، والتعامل بشدة مع أي مخل بالأمن. فيما بحث رئيس مجلس النواب نبيه بري مع السفير السعودي علي عواض عسيري "دعوة أقطاب الحوار لاجتماع يخصص على الأقل لموضوع طرابلس". واعتبر بري أن "ما جرى ويجري في طرابلس ينذر بعواقب سيئة، ليس فقط على الشمال بل على كل لبنان والمنطقة". وعن موقف السفير السعودي، أكد بري أنه "كان إيجابيا للغاية، وسيجري اتصالاته مع المعنيين وآمل خيرا".

وكان الطرفان في جبل محسن (منطقة علوية) وباب التبانة (سنية) قد تبادلا الاتهامات حول عودة الاشتباكات، واتهم كل طرف منهما الآخر بأنه بادر إلى إطلاق النار وخرق الهدنة.
وفي تصريح لافت قال رفعت علي عيد، مسؤول العلاقات السياسية في الحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن: "إذا دخلنا في المجهول أو إن كنا سندخله أكرر المطالبة بدخول الجيش السوري إلى لبنان لتهدئة الوضع. فأنا لا أرى بعد اليوم أن هنالك لبنان أو سوريا أو الأردن أو مصر، وإنما هناك مشروعان إما سقوط سوريا وتقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات طائفية أو إجراء تسوية مع سوريا". وأضاف عيد "طالما هناك شرعية لبنانية تغطي الأمن في لبنان وتحديدا طرابلس، فالوضع سوف يستتب. لكنا قلنا إن الشمال وضعه سيئ وهو ذاهب باتجاه الفتنة".

وكان 8 جرحى على الأقل قد أصيبوا في معارك يوم أمس، وأدخلوا المستشفيات، وأعاد الجيش تموضعه في المناطق الأكثر سخونة. وقال الشيخ مازن شحود أحد فعاليات باب التبانة لـ"الشرق الأوسط" أمس: "وصل عدد جرحانا خلال الأيام الأخيرة إلى 70 جريحا. وما نراه أن التصعيد يتم لفرض واقع جديد يخدم النظام السوري، المنزعج من الحالة المؤيدة للثورة الموجودة اليوم في طرابلس. وبهذا يفرض بعض الترتيبات الأمنية على المسؤولين اللبنانيين للتخفيف من الدعم الشعبي للثورة السورية". واتهم شحود رفعت عيد بأنه كشف عن نواياه حين استدعى الجيش السوري لدخول لبنان من جديد.

وقال وزير الداخلية مروان شربل أمس: "ما يجري في سوريا ينعكس سلبا على لبنان، ولا سيما على مستوى الوضع الأمني وزيادة عمليات السرقة والنشل والخطف بهدف الابتزاز المالي، لذلك نتمنى أن تنتهي الأزمة في سوريا في أسرع وقت". وقال شربل: "إن استمرار الوضع في الشمال على حاله من التوتر والاحتقان سيجعل من طرابلس منطلقا لأكبر فتنة ستحصل في تاريخ لبنان، لأنني أخشى الصراع السني – الشيعي، الأمر الذي يتطلب من العقلاء وهم الأكثرية في كل الطوائف بذل الجهود وهم قادرون على منع وقوع الفتنة".

وكان وزير المال محمد الصفدي، وهو ابن طرابلس قد أصدر بيانا حيا من خلاله جهود رئيس الوزراء نجيب ميقاتي وجهود وزير الداخلية مروان شربل، والجيش والقوى الأمنية. وقال الصفدي في بيانه: "أؤكد أن الحكومة ونواب المدينة وقياداتها، لن يسمحوا بمحاولات بعض الجهات استغلال الوضع لغايات باتت مكشوفة، فطرابلس لن تكون ساحة لتصفية أي حسابات من أي نوع كانت. وأهل المدينة هم الأكثر حرصا عليها، ووزراء طرابلس يقفون إلى جانب رئيس الحكومة في الخط الأول دفاعا عن أمن المدينة واستقرارها وكرامة أهلها".

وإن كانت معارك باب التبانة وجبل محسن، قد أمكن تطويقها ولو بشكل مؤقت يوم أمس، فإن اعتصام الإسلاميين على المدخل الجنوبي لطرابلس في ساحة عبد الحميد كرامي، بقي على حاله إذ يطالب هؤلاء بإطلاق سراح الناشط الإسلامي شادي مولوي الذي ألقي القبض عليه يوم السبت الماضي، بكفالة مالية، كما يطالبون بالتسريع بمحاكمة ما يقارب 170 موقوفا إسلاميا.
وأعيد استجواب الموقوف مولوي يوم أمس على أن يستكمل البحث في إجراء أطلاق سراحه بكفالة من عدمه اليوم. لكن جاء موقف مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني يوم أمس مفاجئا لجهة دعوته لاعتصام في بيروت إن لم يتم إنصاف الموقوفين الإسلاميين. وجاء في كلام قباني: "أريد أن أقول وليسمعها مني كل مسؤول في لبنان ابتداء من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وجميع النواب والمسؤولين، أقول لهم كيف تتولون أمرنا وتغفلون عنا؟ وأقول هذا للسياسيين الحاضرين والسابقين، وخاصة المسلمين منهم، وأخص منهم السياسيين السابقين لأنه في عهدهم اعتُقل هؤلاء المعتقلون السياسيون".

وأكد قباني "سوف ندعو المسلمين خاصة للاعتصام جميعا في ساحة رياض الصلح وعدم الخروج منها حتى يتم إطلاق غير المتهمين المحتجزين ظلما وعدوانا – ونحن نعتقد أن الكثيرين منهم بهذه الصفة – وحتى يحاكم الباقون. هذه دعوتي، إذا جاءت العطلة الصيفية ولم يأخذ القضاء اللبناني هذا الإجراء فإني أدعو المسلمين خاصة، وكل طالب من طلاب الحق، منذ اليوم أن يعتصموا في ساحة رياض الصلح وعدم الخروج منها حتى يأخذ القضاء اللبناني أزره في هذه المسألة".

السابق
الحسيني: عجزنا سببه الزعيم الأوحد
التالي
الأنوار: بري يجري اتصالات لطرح قضية طرابلس على اقطاب الحوار