الجنرال المفجوع

غدرت الدنيا برئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون، وظلمته الحياة.. ضاق صدر الجنرال وشعر بأن الكلّ يضيّق الخناق على سياسته الإصلاحية التغييرية غير المجدية.. شعر وكأن السماء الزرقاء أطبقت على أنفاسه الملتهبة بالأيام المجيدة وأوراق التفاهم المكبّلة بقيود السلاح.. سُرَّ الجنرال لأنه كان يطير ويطير من دون أن يحلّق، ثم ما لبث أن سقط بطرفة عين! خاب أمله، مضى متسائلاً كيف سيواجه الجميع مكسور الجناح.. فقرر أن يتبّع السياسة الإنتقامية، رسمها من خلال خبرته في "الإلغاء"، فهو لطالما أراد إلغاء شركائه في الوطن و"تحرير" الأخير من كل مخالف لآرائه أو منتقد لها.

فالجنرال اليوم يشتكي من الثلث المعطل الجديد! ويقول "هناك ثلاثة "يخربطون" في الحكومة، وهُم "رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووليد جنبلاط". هؤلاء هم مَن حرمنا من الأكثرية التي يمكن أن تقرّر". ألم يسأل الجنرال نفسه كيف تحولت الأقلية المعارِضة إلى أكثرية حاكِمة في لبنان؟ فالإنتقال من ضفة إلى أخرى من المزايا التي يتغنّى بها الجنرال، والإنقلابات والفتن في صلب تاريخه المجيد كالأيام المجيدة التي يفتخر بها بجانب حلفائه.
فتح الجنرال النار على الجميع.. وضمّن سياسته الإنتقامية ملفات قضائية وطرح دستورية انتخاب الرئيس. عمر كرامي كان خياره الأول.. يلقي مسؤولية فشل الحكومة على الكل.. وحده هو البريء، "يتبكبك" على شاشته وأمام "جمهوره العريض" ومنتقديه.. يلقي اللوم على الآخرين، كائنا من كانوا من شركائه في الحكومة وفي الوطن. في الواقع لم يكشف الجنرال عن أي جديد، لأن سياسته المتغطرسة جعلت منه، في نفسه، القائد الوحيد والأوحد، وفشله لا يتحمّله مع وزرائه بل يلقيه على الآخرين.. وهي سياسته منذ أن عاد إلى لبنان. حسنا إذا.. إنها خيبات الأمل المتلاحقة تلك التي أوصلت الجنرال إلى ما وصل إليه!

يقول النائب عون إن الرئيس سليمان فاجأه اليوم "كما فاجأه في العام 2009"، بعدما كان وصفه بـ"رفيق سلاحه". يقول "إن مجلس الوزراء هو السلطة الحاكمة وليس رئيس الجمهورية"، بعدما كان يطالب بإعادة الصلاحيات للرئيس الماروني. يعترف "بسلطة الكاردينال نصرالله صفير الروحية" على الرغم من كل خلافاته السياسية معه، ويضيف بأنه "لم يقلل أدباً معه أبداً"، متناسياً خلافه معه حول اتفاق الطائف وكيف تصرف "الجمهور العوني" مع البطريرك صفير. يسأل "ألم تجرِ انتخابات العام 2005 في ظل السلاح؟"، ولم يفكر بديموقراطية الانتخابات من دون السلاح! يقول "حتى ثيابي الداخلية أخذوها إذ سلمت الحكومة حق الإطلاع على مصدر حسابي الخاص ومن "يسترجي من كل الزعماء اللبنانيين أن يفعل ذلك غيري؟" فهل نسي الجنرال أنه عاش في فرنسا عالة على كل من وثق به في لبنان وتمتع بالحياة الباريسية بأموال ائتمنه عليها الشعب اللبناني؟. يقول بغيرة "المصالحة في الجبل تمّت من دوني، فهل أدفع حريتي السياسية وحقاً من حقوقي لأن هناك مصالحة في الجبل؟"، فهلا سأل الجنرال نفسه عمّا إذا كان للمصالحة أن تتم في ظل وجود "الإصلاحي المتغيّر".

الجنرال ميشال عون لم يقدم أي جديد. أمله خائب منذ أن دخل الساحة السياسية في لبنان. سيلازمه حلم رئاسة الجمهورية، ومن أجلها سيفتح معارك على كل الجبهات. وبين الفينة والأخرى سيحتاج جنرال الجناح المكسور، إلى اتباع سياسة تضميد الجراح.. وبين كل مرحلة وأخرى سيستمر في معركته مع طواحين الهواء على الشاشات.
خيبات الأمل ستتضاعف وعليه أن يكون متحضراً لما هو أسوأ، فظنّه سيخيب من جديد عندما يحمل مستنداته الملفّقة "للإرث الثقيل" ويتوجّه به إلى القضاء.. أما التاريخ فيحفظ للجنرال خيبات ما بعدها خيبات، لن يتمكن من استئصالها من ماضيه ولو بقوة السلاح وبهمّة القمصان السود.. الخيبات ستنال منه مرارا وتكرارا. "طاقته الإيجابية الجمهورية" تعطيه دفعاً للمضيّ قدماً مصطحباً معه الترويكا العونية "التغيير والإصلاح والسلاح" التي من أجلها كان الثلث المعطل الذي سلب عون آخر أمل له بالرئاسة.. ومن الآن فصاعداً، وعلى حدّ قول المثل اللبناني "يا رايح كتر القبايح".

السابق
مِنْشانْ الله … ارحل
التالي
واشنطن بوست: أسلحة للمعارضة السورية بأموال خليجية وتنسيق أميركي !!