الشرق الأوسط: طرابلس ضحية اشتباكات متنقلة تطال أسواقها العتيقة والإسلاميون يعتصمون ويغلقون مدخلها الرئيسي

رغم هدوء المعارك العسكرية بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن، يوم أمس، وانتشار الجيش في المنطقتين المتحاربتين منذ أربعة أيام، بقي التوتر يلف طرابلس، عاصمة لبنان الثانية التي يقطنها أكثر من نصف مليون نسمة، والذين وجدوا أنفسهم رهائن لحفنة من المسلحين.
فما إن هدأت وطأة المعارك بين باب التبانة وجبل محسن صباحا، حتى سمع أزيز الرصاص من جهة السوق القديمة، وتحديدا طلعة الرفاعية بعد الظهر، حيث حدث اشتباك عائلي تطور إلى إطلاق نار ومعارك بالأسلحة الرشاشة. وتوسعت رقعة الاشتباكات لتشمل محاور عدة، وتمتد إلى سوق العطارين، سوق الصاغة، طلعة الخبيزة، المهاترة ومسجد المعلق، حيث استعملت في الاشتباكات الأسلحة الخفيفة والقنابل اليدوية. ولم تتمكن عناصر قوى الأمن الداخلي من الدخول إلى أماكن الاشتباكات، رغم وقوع جرحى، بسبب كثافة النيران، ولا سيما أن أسواق طرابلس العتيقة تعود إلى العصر المملوكي، وهي ضيقة وكثيرة الدهاليز.

يضاف إلى المعارك التي ما إن تهدأ في مكان حتى تشتعل في آخر، استمرار اعتصام الإسلاميين على مدخل طرابلس وإغلاقهم للساحة الرئيسية فيها حتى تتحقق مطالبهم بالإفراج عن الموقوف شادي المولوي.
واستفاقت مدينة طرابلس أمس على أخبار بدء انتشار الجيش وعناصر قوى الأمن الداخلي، وفتحت بعض المحال أبوابها، لكن الحذر بقي يخيم على المدينة، تحسبا لما يمكن أن يحدث بسبب الإسلاميين المعتصمين في ساحة عبد الحميد كرامي، التي تقع على المدخل الجنوبي الرئيسي لطرابلس، فقد رفض هؤلاء فتح الساحة التي أغلقوا منافذها، من كل جهة.
ونصب المعتصمون الإسلاميون الخيام على الرصيف، ورابطوا فيها وحولها.. ورغم أن عددهم لا يتجاوز العشرات فإنهم أربكوا المدينة، وشحنوا الأجواء، خاصة أن مفاوضات عديدة أجريت معهم من قبل موفدين أمنيين؛ إلا أنهم رفضوا فك اعتصامهم. وقال الشيخ عمر بكري، وهو أحد المعتصمين هناك لـ"الشرق الأوسط" أمس بعد أن أدى صلاة الظهر مع باقي المعتصمين في الساحة: "لن نترك هذا المكان حتى تطأه أقدام شادي المولوي، وسنبقى معتصمين حتى يطلق سراح كل الموقوفين الإسلاميين".
وجدير بالذكر أن المعتصمين يطالبون بإطلاق سراح أكثر من 200 موقوف إسلامي مضى على سجنهم ما يقارب خمس سنوات. وجاء إلقاء القبض على إسلامي آخر، هو شادي المولوي، ليضاعف الأزمة. وكانت قرارا قضائيا صدر يوم أول أمس بحق المولوي وخمسة آخرين. لكن الشيخ بكري يقول: "إن ما صدر عن القضاء لا يمنع إطلاق سراح المولوي بكفالة حتى يتم استكمال محاكمته". وأضاف بكري: "إن ثلاثة من بين الذين صدر القرار القضائي بحقهم مع شادي أطلق سراحهم بكفالة، أحدهم فلسطيني وآخر قطري، وثالث لبناني جاء إلى مكان الاعتصام أمس". وشرح بكري "إن وعدا أعطي لنا بإطلاق سراح المولوي بعد يومين بكفالة مالية، لذلك نحن مرابطون هنا لنرى هذا الوعد قد تحقق، وعندها نفتح الطرقات، لكن الاعتصام باق حتى إطلاق باقي الموقوفين".

وإذ بقيت عقدة المعتصمين عالقة يوم أمس، فإن توقف الاشتباكات في باب التبانة – جبل محسن، وقيام الجيش بوضع حواجز ونقاط ثابته له في المدينة لم يكن كافيا لإشعار الأهالي بأن الأمن قد استتب. عضو المجلس البلدي عن باب التبانة عربي عكاوي، وهو أحد الذين شاركوا في الاجتماع الذي أفضى إلى التهدئة قال لـ"الشرق الأوسط" يوم أمس: "توقف إطلاق النار ودخول الجيش إلى باب التبانة ستنتج عنه هدنة مؤقتة، لكن هناك جولة أخرى من المعارك آتية". وأضاف عكاوي "لعلها كانت المعركة رقم خمسين تلك التي شهدناها في الساعات الفائتة، وسنرى المعركة رقم 51 وربما 52، لأن المشكلة ما تزال قائمة. كان هناك احتقان، والجميع أطلق الناس و(فش خلقة) لكن المايسترو الذي يحركنا في كل مرة، ويدفعنا للتقاتل، لا نعرف متى سيقرر إطلاق الجولة الجديدة".
وإذ رفض عكاوي أن يسمي هذا المايسترو، اكتفى بالقول: "المعادلات تزداد تعقيدا في طرابلس، وربما أن الكثير من الأمور بات يكتنفها الغموض الشديد. وأعتقد أن كثيرين لا يعرفون حقيقة ما يحدث". وجدير بالذكر أن المعارك الأخيرة في طرابلس أوقعت 9 قتلى وما يزيد على ستين جريحا.

وأثنى رئيس الجمهورية ميشال سليمان على خطوة انتشار الجيش في طرابلس لوضع حد للتوتر الأمني الذي حصل نهاية الأسبوع الماضي، وبقي على اتصال مستمر مع المعنيين وبخاصة قائد الجيش العماد جان قهوجي منذ مساء أول من أمس وصباح أمس من أجل أن تكون خطوة الانتشار حاسمة في حفظ الأمن والاستقرار في المدينة، ومنع تكرار ما حصل من أجل إبقاء الساحة الداخلية هادئة وبعيدة من انعكاسات التطورات الحاصلة في الدول المحيطة بلبنان.
وأكد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي أن "الهدوء عاد إلى مدينة طرابلس بعد توقف إطلاق النار، وأن الجيش اتخذ الاحتياطات اللازمة وانتشر في أربعة مواقع أساسية في المدينة"، مشيرا إلى أن "موضوع الاعتصام في ساحة النور سيحل بهدوء".
ورأى أن "هناك ثورات عربية تطالب بالعدالة والقانون والديمقراطية، ولكن ينبغي ألا ننسى أن ثورتنا الأساسية المستمرة هي للحفاظ على الدولة اللبنانية وكيانها، وهذا العمل مستمر رغم كل الظروف القائمة". وأشاد الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري بـ"تجاوب أهالي مدينة طرابلس مع دعوات التهدئة ودعم الإجراءات التي اتخذتها الجهات الأمنية المختصة، والتي مكنت الجيش اللبناني من الانتشار بنجاح كامل ووقف كل أشكال الفلتان الأمني الذي شهدته المدينة مؤخرا".

السابق
الحياة: بعد اشتباكات عنيفة ليلا بين التبانة وجبل محسن.. اشتباكات عائلية نهارا
التالي
الأنوار: هدوء في طرابلس بعد دخول الجيش.. واستمرار الاعتصام