المخاصمة باسم الإسلام

كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات، هو الذي زاد النكهة الإسلامية في الدستور المصري أواخر السبعينات عندما اعتبر – إضافة إلى أن الإسلام دين الدولة – الشريعة مصدراً رئيسياً للتشريع. وكنت باليمن مطلع التسعينات من القرن الماضي، عندما سمعت الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح يقول: إن دستور الوحدة اليمنية هو أكثر إسلاماً من دستور صديقي الرئيس الراحل أنور السادات، فقد جعلنا من الشريعة فيه مصدراً أوحد للتشريع، بحيث لا يستطيع «الإخوانيون» المزايدة علينا لهذه الناحية! ومع ذلك فان الإخوان والسلفيين بمصر بعد قيام الثورة، وعند الاستفتاء على الإعلان الدستوري، وما كان أحد يفكر بالتعرض لاسلاميات الدستور، صوروا للشعب المصري ان إسلامية مصر في خطر، لأن العلمانيين والملاحدة والأميركان، يريدون حذف المواد الإسلامية في الدستور، رغم انها لم تكن بين ما جرى الاستفتاء عليه! وقد حصل الإعلان على أصوات ثلاثة أرباع الناخبين، فقال الإخوان يومها: إن ثلاثة أرباع الشعب المصري إنما صوتوا لهم وليس لإسلامية الدستور مثلاً! وهكذا كان الأمر في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، والتي فوجئوا فيها بنجاح السلفيين أيضاً، فانصرفوا إلى التزايد في ما بينهم أيهم الأفضل إسلاماً! وفي اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور عادوا لهذه المزايدة باسم الإسلام، واضافوا اليها حجة حصولهم على الأكثرية في الانتخابات، ثم فاجأوا الشعب المصري بعد احتكار اللجنة الدستورية هذه، بترشيح اثنين منهم وليس واحداً للانتخابات الرئاسية! إنما بظهور نواياهم للاستيلاء على كل المؤسسات الدستورية، انتكست شعبيتهم انتكاساً مريعاً، بحيث سلموا في اجتماعهم مع المجلس العسكري أخيراً أن لا يكون أحد من اعضاء اللجنة الدستورية من داخل البرلمان!.

ولا شك أن الإخوان المسلمين المصريين، مثل سائر الأحزاب بمصر وغيرها إنما يريدون الوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها. وهذا أمر لا غبار عليه. لكن الإسلام هو دين المجتمع بغالبيته العظمى، واستخدامه بهذا الشكل، وسط عودة مبدأ «الولاء والبراء» والقول بتطبيق الشريعة، كل ذلك إنما يحوّل الدين إلى حزب، يواجهه حزبان أو ثلاثة أو أربعة – كما في مصر اليوم – وكلها تنتسب إلى توجه في الدين تعتبره الأصح والأقوم، فيتشرذم الدين إلى ديانات بسبب التنافس السياسي على المناصب والسلطات باسمه! أما إذا بقي الحزب المتحدث باسم الدين، والداعي الى «تطبيق شريعته؛ واحداً وحيداً، فإنه يؤدي الى قيام سلطة ثيوقراطية او نوموقراطية، لن تقبل بفكرة التداول – وإن ادّعت غير ذلك – لأن الذين سيأتون بعدها لن يعملوا على تطبيق الشريعة كما عملت وتعمل!.

على أن فكرة تطبيق الشريعة والتي خلفت في الوعي الإسلامي فكرة الخلافة، خطأ محض وجرح بليغ لجماعة المسلمين وإيمانها. فجماعة المسلمين هي التي احتضنت القرآن والشريعة في الفعل التاريخي الأوّل أو التكون الأوّل للأمة، ولا يُتصور انفصالها عنها أو تنتهي الأمة، ويصبح القرآن وشريعته في أحسن أحوالهما دوغما لنخبة حاكمة منفصلة عن المجتمع، وشرعيتها ناجمة عن احتكارها للشريعة، مثل احتكار افلاطون والفارابي للعقل النظري والتدبيري لدى الفيلسوف حاكم المدينة. فمجتمعاتنا مسلمة، وشرعيتها مكتملة، والشريعة فيها وتتبادل معها الولاء والصون والحماية. وليس هناك خطر على الدين ولا على شرعية الجماعة وبقاء دينها، وإنما المشكلة في إدارة الشأن العام، والتنافس في هذا المضمار على مَن هم افراداً وأحزاباً الأكفأ والأقدر على إصلاح إدارته بعد سقوط حكومات الاستبداد التي ضيعت المصالح الوطنية والقومية. وقد كان العلمانيون وغير العرب يقولون لنا في أزمنة الاستبداد: إن الأحزاب الدينية لا تقول حقاً بالديمقراطية، وكنا نقول لهم: إن الاحتقان شديد، وإن هؤلاء يظهرون تلاؤماً لا بأس به. بيد أن الثورات التي لم يشاركوا فيها إلا في وقت لاحق، أتاحت لهم الفرصة لتلاؤم كبير لو أرادوا أو لو أفادوا من التجارب السابقة، لكنهم لم يفعلوا. وهذا أمر ينبغي الاعتراف به الآن واستنتاج النتائج الصحيحة من وقائعه.

لست اخشى على الديمقراطية والدولة المدنية لأن الجمهور الذي نزل إلى الشارع كلّه معني بذلك، ولن يقبل أي استبداد بأي اسم! لكنني أخشى على سلامة الدين ووحدة المجتمع وشرعيته من تنافس الحزبيين عليه، ومن ادعائهم إعادة الشريعة والشرعية به أو إليه. ولذا فالذي ينبغي العمل عليه من جانب أهل الدين والورع والنظر الواسع: حماية الدين من الصراع السياسي في زمن الثورات!.

السابق
السيد نصر الله ضيف مؤسس الويكيليكس: حزب الله صديق لدمشق وليس عميلا لها
التالي
الحياة: إشكال بين نواب التيارالعوني والتقدمي وحمادة ينقل المناقشة النيابية من الرتابة الى الصخب