الراي: 14 آذار تحاكم حكومة ميقاتي و8 آذار… تهرب إلى الوراء

فيما انطلقت «صاخبة» امس وقائع المبارزة النيابية الطويلة مع بدء جلسات البرلمان اللبناني لمناقشة السياسة العامة لحكومة نجيب ميقاتي والتي تستمر ثلاثة ايام تُستحضر فيها كل الملفات والقضايا الداخلية الساخنة، كشفت مصادر سياسية واسعة الاطلاع ان المشاورات لم تتوقف بين اركان الحكم والحكومة ورئاسة مجلس النواب حول ترتيب حل لملف الانفاق المالي الحكومي فور انتهاء جلسات المناقشة لان هذا الملف اكتسب طابع العجلة الملحة في ضوء الاستحقاقات الكثيرة التي تواجهها الدولة.
واوضحت هذه المصادر لـ «الراي» ان المعنيين تعاملوا مع الجلسة النيابية التي شهدت اشكالاً كاد ان يتطور الى عراك بين نواب من فريق العماد ميشال عون ونواب من كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، بكونها فرصة لتنفيس الاحتقانات السياسية ومسرحاً منبرياً للنواب للاطلالة على ناخبيهم عشية انفتاح افق موسم الانتخابات النيابية، لكن ذلك لم يحجب اقتناع الجميع بأن الحكومة باقية على حالها بعد الجلسة في ظل امتناع احدى اكبر كتل المعارضة وهي كتلة «المستقبل» عن طرح الثقة بالحكومة او بأيّ من وزرائها، ما يعني ان مجمل كتل المعارضة الاخرى لن تقدم على خطوة مماثلة ما دامت الحكومة تحظى بدعم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي يوفّر لها الغالبية، الامر الذي يجعل اي خطوة غير محسوبة من 14 آذار تمنح الحكومة او وزيراً فيها او اكثر ثقة متجددة لا تفيد المعارضة باي شكل.

وفي ضوء ذلك ستشهد كواليس الجلسات النيابية مشاورات ربما يلعب رئيس البرلمان نبيه بري
وجنبلاط الى رئيس الحكومة ورئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة دوراً محورياً فيها لاعادة الاعتبار الى تسوية كان تم التوافق عليها سابقا في شأن ملف الانفاق المالي على قاعدة اقرار مشروع القانون الذي وضعته حكومة ميقاتي عن انفاقها 8900 مليار ليرة (نحو 6 مليارات دولار) عام 2011 في مقابل ملف الـ 11 مليار دولار لانفاق الحكومات بين عامي 2006 و2010 وهو الامر الذي يدعمه النائب وليد جنبلاط.

وتقول المصادر نفسها ان موقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان شكل علامة فارقة شغلت اوساطا مختلفة، اذ بدا معه سليمان في موقع صلب رفض معه الخضوع لما اعتبره ابتزازاً سياسياً او محاولة لزجه في موقع كان يراد له عبره ان يتحمل تبعة تشريع مالي لسقف الانفاق الجديد. اذ مع رفضه توقيع مرسوم الـ 8900 مليار ليرة وتشديده على ان يأخذ مجلس النواب المبادرة في تحمل مسؤولياته عن تعديل هذا المشروع واقراره، اثار سليمان حفيظة القوى التي حرّضته على توقيع المرسوم (فريق العماد ميشال عون) بحجة ممارسة صلاحية قلما مارسها رئيس الجمهورية منذ اتفاق الطائف وتتيح له اصدار مرسوم بمشروع قانون معجل جرت تلاوته في مجلس النواب بعد 40 يوماً في حال عدم اقراره في المجلس.
وكانت الجولة الاولى الصباحية من اليوم الاول من جلسات المناقشة التأمت على وقع بدء المتعاقدين في قطاع التعليم الاساسي اضراباً لاربعة ايام، يلاقيه اليوم الاساتذة المحرومون التفرغ في الجامعة اللبنانية قبل ان تبدأ الافران ليل الخميس اضراباً مفتوحاً لتعديل سعر الخبز.

وبرزت «سخونة» الجلسة منذ بدء المداخلات فيها بعد كلمة لميقاتي اكد فيها ان «اولوية اولويات حكومته هي تحقيق الاستقرار، الذي يرتكز على ثلاثة عناصر «اولها الوضع في الجنوب، وثانيها المحكمة الدولية التي موّلناها، أما العامل الثالث فيتعلق بما يحدث في المنطقة ولا سيما في سورية حيث انتهجنا سياسة النأي بالنفس التي نعتبر انها تحمي الداخل اللبناني»، معدّداً انجازات حكومته في ملفات عدة، وواعداً بحلول لملفات اجتماعية عالقة.

وفي حين احتّل نواب المعارضة القسم الاكبر من الجولة الاولى، فقد ركّزوا «هجومهم» على الحكومة داعين اياها الى الاستقالة بعدما فقدت صدقيّتها، ملقين الضوء على خطورة محاولة اغتيال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وعلى «الفضائح» في وزارتيْ الاتصالات (خدمات الخليوي ورفض تسليم حركة الاتصالات للاجهزة الامنية) والطاقة (بواخر الكهرباء) اللتين يتولاهما وزيران من فريق عون (نقولا صحناوي وجبران باسيل)، من دون اغفال الاطلالة اللافتة على الانتخابات النيابية «الوجودية» سنة 2013 ورسم «سقف عالٍ» لشروط اجرائها، وتحميل الحكومة مسؤولية «التشجيع» على ارتكاب جريمة قتل مصوّر قناة «الجديد» علي شعبان على الحدود اللبنانية – السورية.
ويمكن اختصار ابرز ما ركّزت عليه 14 آذار بالآتي:

• وصْف نائب رئيس البرلمان فريد مكاري الحكومة بانها «حكومة «الهريبة ثلثي المراجل» لجهة النأي بالنفس عن الحكم»، معتبراً محاولة اغتيال جعجع «استهدافا للسلم الاهلي والاستقرار لتغيير المعادلات»، ومشيراً الى ان «تغاضي الحكومة وتبرير افعال النظام السوري في انتهاكه الاراضي اللبنانية يجعها مشاركة في الجريمة بحق شعبان».
• مطالبة نائب «القوات اللبنانية» انطوان زهرا بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية لكل موضوع الكهرباء، مشيرا الى «ان محاولة اغتيال الدكتور جعجع قوبلت من بعض أطراف الحكومة بالتجاهل ربما للتعويض عن الاحتفالات التي كانوا ينوون القيام بها في حال غاب الدكتور جعجع».

• فيما وصف النائب غازي يوسف (من كتلة سعد الحريري) الحكومة بانها «وُلدت ميتة»، متهماً وزيريْ الاتصالات والطاقة بالفساد، كانت كلمة السقف الاعلى للنائب حمادة الذي هاجم بقوة «حزب الله» وسلاحه. وقال حمادة تعليقاً على محاولة اغتيال جعجع: «استهدفت رصاصات الغدر احد الرموز القادة في 14 آذار. هذه الرصاصات وان أخطأت الدكتور جعجع فانها تدق نذير الخطر الداهم، وتنبئ بأيام بائسة، ان دماءنا ليست بهذا الرخص. حادثة معراب لن تكون عابرة او مسخفة». واذ اعلن «ان دويلات الواقع المسلح فرخت دويلات الآمرين بالمنكر والنهي عن المعروف»، اضاف: «اذا خطر لك أن تحتج على ذلك، يصدر القرار الهمايوني بقتلك (..)». في المقابل، ركّز نواب 8 آذار، في ما اعتُبر «عملية هروب الى الوراء» ولا سيما من تيار العماد عون على «محاكمة» حقبة الرئيس رفيق الحريري منذ توليه رئاسة الحكومة العام 1992، حيث وصف النائب سيمون ابي رميا (بعد كلمة على الموجة نفسها للنائب اميل رحمة) الفترة بين 1992 و1998 بانها «حقبة سوداء»، ومبرزاً بالارقام كيف تطوّر الدين العام من ثلاثة مليارات دولار الى 60 ملياراً في الـ 2011 «بسبب السياسات المالية» لـ «تيار القضاء على مستقبلنا ومستقبل اولادنا».
ولم تمرّ الجولة الاولى من جلسة المناقشة العامة للحكومة «على خير» اذ شهدت اشكالاً كاد ان يتطوّر الى عراك بين نواب من كتلة جنبلاط وآخرين من كتلة العماد عون.
وفي التفاصيل انه خلال القاء النائب اميل رحمة (من تكتل عون) كلمته متسائلاً اذا كان «الهدف من الحصول على داتا الاتصالات هو بيعها لجهات خارجية» مستذكرا محطة الباروك و«مهماتها التجسسية»، تدخّل النائب مروان حمادة معلناً «ان كل الأدلة أثبتت أن مالكي محطة الباروك هم عونيون ولهم شريك من حزب الله».

وهنا طالب النائب حكمت ديب (من كتلة عون) بالنظام الرد على حمادة وتسميته العونيين فقال بري: «الرئاسة اوقفت هذا الكلام ولم أسمح به». وهنا رد النائب ابراهيم كنعان (من كتلة عون) بحدة على حمادة الذي كان يتوجّه لالقاء كلمته وقال صارخاً «لن نسمح بهذه المهزلة ولسنا مقطوعين من شجرة». وهنا انبرى النائب اميل رحمة وتمسك بكلامه في مداخلته فواجهه النائب اكرم شهيب (من كتل جنبلاط)، بعدما صرخ الاول بحمادة، وطلب منه ان «يروق»، فغادر رحمة مقعده وتوجّه الى حيث يجلس شهيّب قائلاً له بحدة: ليس أنا من يقولون له روق، وكاد الامر ان يصل الى الاشتباك وسط تدخل الوزير وائل ابو فاعور داعماً شهيّب، قبل ان يدخل نواب آخرون على خط فض الاشكال على وقع مطرقة بري الذي قال للنواب «عافاكم، مبسوطين؟» قبل ان تعود الامور الى نصابها.

ويذكر ان محطة الباروك هي شبكة كانت تقوم بتأمين خدمة الانترنت وعبرها الاتصالات غير الشرعية الى بعض المناطق اللبنانية، وتم كشفها العام 2009 وتردد حينها انها كانت تؤمن اتصالات من والى اسرائيل مباشرة أو غير مباشرة، وان الاسرائيليين يقومون من خلالها بالتنصت على مراكز أمنية ومدنية لبنانية، الا ان هذه التقارير بقيت من دون اي اثبات بعدما تم تفكيك المحطة قبل اشهر من تحرك القضاء.

السابق
حمادة: لن نقبل ان يحل السلاح مكان البطاقة الانتخابية والرصاص محل ورقة الاقتراع
التالي
قراصنة المواقع والحكومة