العملاء الأحرار

صفعة قوية، لا يمكن التغاضي عنها أبداً، لكن ما زال يمكن، بل يجب الرد عليها بمثلها وأقوى.
عندما اعتقل العميل فايز كرم قبل عامين سرى همس مفاده ان الجهاز الأمني، الذي ضبطه وحقق معه وانتزع اعترافه الذي لا لبس فيه، كان يطارد أيضاً مسؤولاً أكبر في التيار العوني، لكن الضجة التي أثيرت في ذلك الحين حالت دون المضي قدماً في المهمة، أو ربما ساهمت في تخفي ذلك المسؤول أو إخفاء الأدلة التي يمكن أن تؤدي الى القبض عليه.

قد تكون هذه الفكرة مجرد كلام، لكنها كانت الوحيدة التي خطرت لحظة الإفراج عن العميل كرم بشكل لا يخلو من الاستفزاز والتحدي، ولا يستبعد مستقبلاً التعويض عنه وإعادته إلى واجهة العمل السياسي، بعد أن يستفيد من تخفيف عقوبته، وربما أيضاً محاسبة الجهاز الذي اعتقله وأساء الى سمعته وسمعة تياره!

كانت هذه الفكرة، التي جرى استحضارها من الذاكرة والتدقيق بها، أشبه بمحاولة لمحو الإهانة الجديدة التي وجهتها الدولة اللبنانية الى غالبية اللبنانيين عندما أفرجت عن عميل جديد انضم الى صفوف العشرات من المدانين الذين مروا على مدى الأعوام الـ12 الماضية من التحرير في السجون، وأمضوا فيها بضع سنوات ثم خرجوا الى الحرية ووصل بعضهم الى أعلى المراتب، وتحول بعضهم الآخر الى خنجر مسلول في وجه مدن وقرى كاملة، لم يحتمل اهلها ذلك التساهل مع الخيانة العظمى التي لا تقبل التأويل او التبرير وفق أي اعتبارات سياسية أو طائفية، لا سيما بعدما ثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن إسرائيل لم تعتمد التمييز الطائفي بل حرصت في اختيارها لعملائها وشبكاتها على ضمان تحقيق وحدة وطنية لبنانية عزَّ نظيرها.

إذا لم يكن إطلاق العميل كرم فرصة لمتابعة المهمة وكشف شركائه في جرم لم ينفذه لوحده حتماً، تتحول الإهانة الى طعنة ثم الى جريمة ارتكبتها الدولة، وحرمت التيار العوني من فرصة تنظيف صفوفه من العملاء، وهي فرصة تشمل مختلف الأحزاب والتيارات اللبنانية المخترقة من قبل العدو، التي تتفاوت درجات حرصها على إنهاء ذلك الفصل المشين من التاريخ اللبناني.
لعلها مجرد أمنية مبنية على وهم أو حتى على شائعة، لكنها الوسيلة الوحيدة لرد الصفعة بمثلها على وجه كل من تسامح او غض الطرف عن إطلاق عميل، وأيضاً على وجه كل من انتهز المناسبة لكي يوجه سهامه نحو الحليف الأبرز للتيار العوني، حزب الله.. في قضية لا تحتمل أي شكل من أشكال المزايدة السياسية.

الصفعة مؤلمة. عدم الرد يزيدها إيلاماً: ما زال يمكن أن يعاد هذا العميل وكثيرون غيره، من الذين افرج عنهم خلسة او صدفة، الى السجن، المؤبد الذي ينصف الخيانة العظمى، وما زال يمكن، بل يجب أن تحاسب السلطة والمؤسسة التي خففت الأحكام وفتحت أبواب الزنازين، وعرضت البلد لخطر إضافي شديد.  

السابق
ما العمل إذا أخفق أنان؟
التالي
فياض يسلم نتنياهو قريباً رسالة من عباس: لا ولاية حقيقية للسلطة الفلسطينية بسبب الاحتلال