بعد اسطنبول بقليل..

لن تبقى الأمور بعد مؤتمر اسطنبول لأصدقاء سوريا، كما هي قبله. أو هكذا تقول وقائع ما حصل في المدينة التركية على مدى يومين في حضور ذلك الحشد العربي والدولي الاستثنائي.. وهي وقائع مقروءة ومنشافة، والتمحيص فيها يدلّ الى شيء مختلف عمّا سبق، والى لغة طال انتظارها، والى أداء مفاجئ وسيفاجئ الكثيرين وفي مقدمهم أهل السلطة الأسدية وتوابعها أينما كانوا.

كثيرون من أهل الإحباط، زاد إحباطهم في محطات سابقة نتيجة عبث العجز على أكثر من مستوى: عجز المعارضة عن الانصهار في إطار موحّد. وعجز المجتمع الدولي عن وضع حد مباشر لآلة القتل السلطوية الفالتة على وسعها ومداها. وعجز دول الطوق عن تركيب موقف مشترك يسمح بمقاربة ما يحصل بطريقة تفرض شيئاً حرزاناً على السلطة ورأسها. وعجز العقوبات والبيانات والإدانات عن التأثير الحاسم في أداء تلك السلطة، ثم عجز كل الناس عن إقناع بعض الناس بالضرورة الضميرية الأكيدة للتوقف عن مدّ السلطة بما تحتاج إليه، وإعانتها على الاستمرار في ممارساتها التي لا تختلف سوى في حداثة آلياتها(؟) عن الممارسات البدائية الإفنائية التي رافقت مذابح قبائل "الهوتو" بحق أقلية "التوتسي" في مثل هذه الأيام من العام 1994 في رواندا!

غير أن أمر كل ذلك وصل الى أو يكاد الى خواتيمه. وأول الأسباب وأبرزها هو أداء السلطة الأسدية نفسها. حيث المفارقة تفيد بأنها على عادتها، كلما أرادت تأكيد سيطرتها في لحظة تفجيرية كبيرة، كلما أمعنت في خسارة تلك السيطرة، وفي مراكمة أسباب هزيمتها الأخيرة.
وعلى ذلك النول تُنسج خيطان القول الراهن: المجازر التي ارتكبتها كتائب الأسد وشبّيحته، "والمعارك" التي خاضتها على مدى الشهور الماضية، ومحاولة التذاكي على الجميع، والاستهلاك المفرط للغطاء المشلوح فوقها، كل ذلك دفع ويدفع حتى ببعض أشرس مؤيديها على المستوى الدولي، الى الانكفاء الى الخلف قليلاً، والبدء في سحب جانب من ذلك الغطاء الى حد يكفي الآخرين للتحرك وفق الضرورة.

سبق مؤتمر اسطنبول كلام واضح، يقول إن خطة المبعوث الدولي والعربي كوفي أنان هي الفرصة "الأخيرة" أمام الأسد، ولم يصدّق! وسبقت المؤتمر جهود استثنائية ولافتة عربية – أميركية تحديداً، ولم يصدّق.. وسبق المؤتمر وصول محاولات توحيد قوى المعارضة الى شيء من ذلك الهدف الجليل، ولم يصدّق. ورافق المؤتمر كلام عالي المستوى يعتبر "المجلس الوطني" الممثل "الشرعي" للسوريين، ولم يصدّق. وظلّت آلته الحربية منطلقة بكل عزيمتها ونيرانها وارتكاباتها!
بعد اسطنبول بقليل.. يمكن الافتراض أن الأيام القليلة المقبلة ستحمل من التطورات ما لا يسرّ خاطر السلطة الأسدية من قريب أو بعيد، ميدانياً وسياسياً وديبلوماسياً، وهي ستكون تطورات واضحة الى حدّ يُلغي النكران، ويُجبر تلك السلطة أخيراً، على تصديق السالفة القائلة: إن أفولها حتمي، ولا يُجادل!

السابق
تسوية الكهرباء في مرمى النار.. وخلافات باسيل_ميقاتي تبقي اللبناني على العتم
التالي
وزارة الصحة وحملة للوقاية من كهربا القلب