رسالة النظام السوري إلى جنبلاط… وصلت

كُثرٌ هم الذين راهنوا على عودة رئيس جبهة «النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط إلى الثوابت أو بالأحرى إلى السياسة التي تتماشى مع قوى 8 آذار، وتحديداً في ما خصّ تصويب موقفه من النظام في سوريا، وكُثر هم الذين اعتقدوا أنّ المواقف المتقدّمة التي اتّخذها في هذا السياق ما هي إلّا غيمة صيف عابرة سرعان ما ستنجلي ليعود بعدها الطقس إلى حالته المستقرّة.

نعم فعلها جنبلاط وخرج من سجنه الكبير، وكلّ التوقّعات السابقة التي كانت تنذر بعودته إلى الحضن السوري لم تكن سوى من نسج خيال أو تمنّيات صبّرَ مطلقوها أنفسهم بها إلى أن جاءتهم البيّنات عبر لسان جنبلاط نفسه، بأنّه يفضّل إنهاء حياته السياسية على خصام مع النظام السوري، واضعاً بذلك حدّاً لآمالهم المنتظرة، وبهذا يكون الزعيم الثائر قد قطع وقطّع كلّ الأوصال التي كان يمكن أن تعيد شهور العسل بينه وبين النظام الى عهودها السابقة".

يدرك جنبلاط أنّ كلامه هذا لا يرضي حلفه غير الثابت مع"حزب الله"، خصوصاً وأنّ علاقته المتقلّبة بالأخير ليست في أحسن ظروفها، على الرغم من أنّ الطرفين يحاولان قدر الأمكان تجنّب الدخول في سجالات سياسية عنيفة لكي لا يكون لها إنعكاسات سلبية على أرضهم المتداخلة جغرافيّاً والمهيّأة أصلاً للاشتعال من جديد.

من جهة أخرى يرى الحزب في تصريحات جنبلاط ضدّ النظام السوريّ بمثابة ضربات ما تحت الحزام، وهو الأمر الممنوع في عالم الملاكمة، لكن في سياسة الزعيم الاشتراكي فإنّ واجب الدفاع عن النفس يتطلّب التسديد في كلّ الاتّجاهات حتى ولو أدّى الأمر إلى إصابة خصمه في مقتل، ولهذا فإنّ جنبلاط يضع في حساباته أنّ موقفه هذا قد يكون له ارتدادات لاحقة على صعيد علاقته بـ"حزب الله" في حال طُلب من الأخير الدفاع عن النظام السوري في معركة حياة أو موت".

أوساط في قوى 8 آذار تقدّر موقف جنبلاط وخوفه على طائفته أكثر من أيّ وقت مضى جرّاء المدّ الأصوليّ الذي على ما يبدو أنّه مكمّل طريقه في الزحف إلى المنطقة بدعم غربيّ واضح، ولكنّها تشدّد على أنّ "حماية الدروز في لبنان أو سوريا، لا تكون إلّا من خلال الدولة ومؤسّساتها، وليس من قِبل أفراد وجماعات تكفيريّة أو ما شابه، وأنّ حثّ جنبلاط لدروز سوريا على الوقوف الى جانب الثورة هو أمر خطير جدّاً، وقد يكون له انعكاسات سلبية أشدّ خطراً على دروز لبنان لناحية العلاقات التي تجمعهم مع بعض الطوائف الأخرى وتحديداً الطائفة الشيعية".

لكن، تختم الأوساط قولها، "لعلّ النائب جنبلاط أراد من خلال كلامه الأخير أن ينهي حياته السياسية خارج البلاد لكي يتفرّغ إلى كتابة مذكّراته، ولكن نتمنّى عليه أن لا يُسقط من ذاكرته حماية الرئيس الراحل حافظ الأسد له ولطائفته الكريمة في زمن الحرب اللبنانية القذرة".

وكما لقصر الشعب في دمشق زوّاره، فإنّ لقصر المختارة زوّاراً أيضاً، والكلام الذي خرج عن لسان بعض زوّار القصر الأوّل بأنّ أبواب دمشق لن تُفتح أمام جنبلاط ثانية وبأنّ الرجل قد انتهى سياسيّاً، لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام على القريبين من القصر الثاني الذين أكّدوا لـ"الجمهورية" أنّ الكلام نفسه سبق أن أطلِق قبل 35 عاماً بحقّ الشهيد كمال جنبلاط على لسان الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وتحديداً قبل شهرين تقريباً من استشهاده".

ويتابع هؤلاء قولهم "إنّ هذا الكلام وإن دلّ على شيء، فإنّه يدلّ على نيّة مبيتة قد تستهدف الزعيم الوطني وليد جنبلاط على أيدي النظام ذاته الذي اغتال والده، ولهذا فهناك مسؤوليّة كاملة تقع على نظام الأسد في حال أصيب جنبلاط بأيّ مكروه لا سمح الله"، نافين في الوقت عينه "أيّ نيّة لجنبلاط بمغادرة البلاد سواء اليوم أو في ما بعد، بل على العكس، فهو يؤكّد في جميع مجالسه على ضرورة العمل مع الجميع من دون استثناء من أجل الخروج من الشرنقة التي وضعنا أنفسنا بها والمتمثلة بالاصطفافات السياسية الحاصلة".

ويرى القريبون من المختارة أنّ "العلاقة بين جنبلاط و"حزب الله" لم تصل الى حدّ القطيعة التي يتكلّم عنها البعض، إذ إنّ هناك لقاءات ثنائية على مستوى القيادة لا زالت تعقد بين الطرفين بهدف تحصين الساحة وخصوصاً المناطق التي يوجد فيها هذان الحزبان. نحن مع سلاح المقاومة ضدّ إسرائيل، وضدّ أيّ سلاح يُستخدم في الداخل، كما أنّنا مع كلّ التحرّكات في العالم العربي، كذلك في سوريا حيث المطالب هناك مشروعة".

ويختم هؤلاء حديثهم بالقول "بأنه على "حزب الله" أن يعمل على أساس مصلحة لبنان فقط، لأنّنا في لبنان لسنا سوى تفصيل أمام مصالح الدول الكبيرة، كما أنّ أيّ جهة تستطيع فيما لو امتلكت السلاح أن تسيطر على البلد أو أن تتحرّك فيه كما تشاء، ولكن يبقى السؤال الأهم… إلى أين".

السابق
هل يخوض الرئيسان معركة النسبيّة؟
التالي
مجزرة أم سياسة؟