نهاية الأحلام الحكومية 

حين يرتاح الحديث، وتنطق الألسنة، بهدوء، بما تعتمر به الصدور، يخبرك من يتابعون، بدقة، موقف حزب الله داخلياً، عن نهاية مجموعة من الافتراضات القديمة التي كانت موضوعة حول الحكومة الحالية، رئيساً ووزراء. لقد انتهى زمن الأحلام القديمة بإمكان إمرار مجموعة من الخطوات إلى فشل كبير. الحكومة لم تقم بأي خطوة جدية لإثبات سيادة الدولة تجاه القرارات الدولية حول المحكمة، وتجاه تدخل المحكمة الدولية وأدائها دوراً فاعلاً في السياسة المحلية والإقليمية.
على النقيض، قامت الحكومة بتسهيل كامل للمحكمة، وتبنّت _ بشخص رئيسها _ كل مطالب المجتمع الدولي، وكرّست تبعية لبنان، وعمّقت حالة الضعف المحلية مقابل كل الملفات المطروحة أمام البلاد، سواء كانت محكمة، أو خدمات داخلية، أو تعيينات متأخرة، أو بنى تحتية، أو حتى مكافحة فساد، ولو بالقدر القليل الممكن. لقد حطّمت هذه الحكومة أحلام من كانوا يعتبرون أنهم سيصلون، أخيراً، إلى شراكة حقيقية في حكم لبنان، وهم، أولاً، التيار الوطني الحر، وتالياً، حزب الله والقوى المتحالفة معه.

من ناحية التيار الوطني، يمكن استعادة القليل من شعاراته اليوم من بين ركام أوراق العمل الحكومي. لا ينفع هنا استذكار التفاصيل، حيث عند كل مفترق يطرح خلاله التيار الوطني الحر أوراقه ومشاريعه، كانت الحكومة _ في المقابل _ تتخذ القرار الأقرب إلى ذهنية إدارة فؤاد السنيورة، لا الجنرال ميشال عون. خاض الجنرال، هنا، معارك لم ينفع معها عناده أمام إدارة باردة للملفات ترفع شعارات الوسطية، وتمارس ما كان سائداً طوال ستة أعوام من عمر الأزمات الحكومية، والإدارة الغامضة لشؤون البلد.
حزب الله، أيضاً، خسر ملفاته أمام برودة الإدارة الحكومية، وهو بات يرى أن من يحكم اليوم ليس نجيب ميقاتي ولا وزراءه الآخرين، ولا رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي يرأس جلسات بقدر ما يسافر في زيارات دولية، بل فؤاد السنيورة وإدارته العنيدة، العصية على التطويع. وبات كل الكلام السياسي الذي يطرحه نواب 14 آذار لا يشكل أكثر من ترداد لصوت معلّمهم سعد الحريري الذي لا يزال غاضباً لسلب كرسي رئاسة الحكومة منه شخصياً، بصفته وارث المقعد الحكومي عن والده الشهيد.
أضف إلى هذه الملفات، أيضاً، ملف دار الإفتاء ومفتي الجمهورية، الذي يتعرض لممارسات تنمّ عن نفاد صبر تيار المستقبل وما حوله من أجهزة؛ إذ يرغب الرئيس فؤاد السنيورة بتصفية نفوذ المفتي بأسرع ما يمكن، وسحب الصلاحيات منه، وتحويل دار الفتوى إلى مؤسسة تدار مباشرة من قبل السياسيين السنّة، وخصوصاً من قبل رئيس الحكومة، بغض النظر عمّن سيشغل هذا المنصب لاحقاً.
رئيس الحكومة اكتفى برفع الغطاء عن المفتي، من دون تدخل مباشر. التدخل الذي قام به حين زار المفتي كان يتلخّص بحصر النيران في محيط المفتي بدل أن تتوسع عملية النزاع إلى إعادة انتخاب المجلس الشرعي الإسلامي، ودفعها إلى ما بعد منتصف تموز، وترك المفتي وحيداً، علماً بأن التحول الذي قام به المفتي في الموقف السياسي منذ أكثر من عام، وأبعده عن دائرة التوتر والتوتير، أدّت، أولاً، إلى حماية رئيس الحكومة وتدعيم موقفه وإزالة الألغام من أمامه خلال المرحلة المتعثرة لتشكيل الحكومة، وصولاً إلى إعطائه الغطاء الشرعي السني، فيما كان تيار المستقبل يسعى حثيثاً إلى سحب أي قيمة تمثيلية يملكها بعد «خيانته» لحليفه سعد الحريري الذي يعتبر أنه أوصله إلى سدة البرلمان في انتخابات عام 2009.
لم يبق من الحكومة إلا شكلها بالنسبة إلى الأطراف المعنية بالصراع الداخلي. كثرة شكوى المستقبل وقوى 14 آذار من هذه الحكومة، لا تعني أنها لا تمثل مصالحهم، ودفاع الطرف الآخر عنها تضعف منطلقاته كل يوم، ولا تشير إلا إلى أن التوافق المحلي والإقليمي اليوم لا يمكن أن يجتمع على إعادة إنتاج حكومة أخرى، وربما لأي من الجهتين المتنازعتين في لبنان، وبالتالي يفرض التوازن الحالي بقاء هذه الحكومة كما هي.
وما دام كل الحدث اللبناني اليوم مرتبطاً بما يجري في سوريا، فسواء انتصر النظام أو انتصرت الثورة هناك، لن تكون هذه الحكومة موجودة لتشهد على المرحلة التالية من النزاع المحلي، فلا مبرر لبقائها لمن شكلها في حال انتهاء النظام الحالي في سوريا، وكذلك لن يبقى منها أي أثر في حال انهيار النظام في دمشق. إنها حكومة الوقت الضائع ومصالح 14 آذار.

السابق
تهريب متفجرات
التالي
الضاهر: النظام السوري يحاول ضرب الاستقرار في لبنان