الآخر المختلف وترف التعايش

مَنْ يزور مُدُناً معولمة من اللبنانيين، سيلاحظ بلا شك ان نظرية «التعايش» اللبنانية فيها الكثير من الترف وتعكس عقولا متقوقعة، تظن بأنّ العالم خُلِقَ من أجل جماعة محدّدة بعينها على طريقة شعب الله المختار، فيما الآخر بمعناه الثقافي والاجتماعي ليس موجودا اصلا في لبنان بالنظر الى التشابه الكبير في انماط الحياة والسلوك الثقافي والاجتماعي، فلماذا الحديث عن تعايش؟؟
هل يكفي ان تكون في لبنان طوائف ومذاهب حتى يصح القول بأنّنا نعرف الآخر جيدا؟ وهل المزاعم اللبنانية عن التعدّد والتنوّع لها ما يسندها في الثقافة والاجتماع؟ وأي آخر هذا الذي يعيش ويأكل ويعمل ويتصرّف كنظيره بالتمام والكمال؟ وهل اختلاف المذهب والطائفة والدين وحده يكفي كي نذهب بعيدا نحن اللبنانيين في العصبية والتقوقع والحديث عن الخصوصيات؟؟

في المدن المعولمة التي يزورها اللبنانيون ويعيشون فيها ردحا من الزمن، هناك مفهوم أوسع وأعمق وأشمل للاختلاف، وهو اختلاف حقيقي يستطيع المرء مشاهدته ورؤيته وملاحظة وجود «آخر» مختلف وحقيقي. والاختلاف يكون في كل شيء، في الملبس والمأكل والسلوك والثقافة والدين والعرق والانتماء، وقد تسير في شارع واحد من هذه المدن فتلتقي بالمئات من البشر المختلفين جذريا، لكن المنضوين تحت القانون والنظام العام، فيصبح الاختلاف هنا نوعا من الغنى الفعلي، والتعدّد الملموس والتنوّع الواضح الجذّاب، ويصبح الآخر تصديقا لخصوصياتنا وهوياتنا الثقافية والاجتماعية لا نقيضها السلبي بالضرورة.
على اللبنانيين الذين لا ينفكون يزعجون العالم بالحديث عن اختلافاتهم وعن خصوصياتهم الضيقة، ان يكفّوا عن هذا الترف لأنه بات نوعا من التخلّف في عالم اليوم، وهم قادرون على ذلك بالتجربة والمراكمة، وإلا فإنّهم يخرجون تدريجيا من لغة العصر نحو منطق القبائل والعشائر الذي لا يجلب إلا المناحرات والويلات السخيفة والمجانية.

السابق
مهمة أنان هل تكون الفرصة الأخيرة؟
التالي
أزمة النازحين السوريين تتفاعل… ومضاعفاتها تزيد حكومة ميقاتي اضطرابا