لا حرب أميركية ولا قنبلة نووية إيرانية

احتلت إيران قلب المحادثات بين الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
أكدت المباحثات أن وجهات النظر بينهما ما زالت متباعدة: نتنياهو يريد الحرب اليوم قبل الغد. أوباما لا يرفض الحرب ولكنه لا يريدها قبل أن ييأس من عدم فاعلية الحل السياسي. تعلم أوباما كثيراً من الحرب في العراق وأفغانستان. هذه المعرفة ثمينة ومؤثرة بقوة في اتخاذ أي قرار أميركي بالحرب سواء ضد إيران أو غيرها. إذا لم تكن الاسباب كافية وشفافة وواقعية، من الصعب جداً الذهاب الى الحرب. المشكلة الحقيقية أن أوباما ونتنياهو يعملان على توقيتين مختلفين. التوقيت الإسرائيلي سريع ولا يحسب المخاطر والأخطار على الآخرين المهم هو، الأميركي لديه ألف حساب وحساب. تعمّد أوباما أن يرسم خريطة لموقفه أمام "ايباك" أكبر لوبي يهودي في الولايات المتحدة الأميركية. وضع نقطة على السطر، ومضى بوضوح الى حملته الانتخابية. مصلحة الولايات المتحدة الأميركية تتقدم على جميع المصالح. لا أحد من المرشحين للرئاسة الأميركية يتجاسر على تعريض المصالح الأميركية للخطر مهما بلغ التزامه بإسرائيل. لا يعني هذا أن أوباما قال كلمته ومشى تاركاً إسرائيل في "صحراء" مواقفها. بالعكس جمع بين رفضه للحرب بقرار متسرّع وضمان أمن إسرائيل. لن يعجب هذا الموقف نتنياهو وخصوصاً ليبرمان وزير الخارجية. لكن كان يجب أن يسمع الإسرائيليون هذا الموقف، أوباما كان واضحاً جداً. تجسد هذا الوضوح في:
 لا قنبلة نووية إيرانية اليوم وغداً. الأفضل القول ما دامت "الجمهورية الإسلامية" قائمة، لا قيامة للسلاح النووي الإيراني. واشنطن ترى أن الوضع لم يقترب من حافة الهاوية. ما زال أمام الإيرانيين الكثير من الوقت لامتلاك هذا السلاح. الإسرائيليون يريدون ضرب حتى احتمال امتلاك الإيرانيين للمعرفة النووية، حتى لا تنافسها على امتلاك جزء من القرار الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً وأن مساحة المنطقة مفتوحة أمامها بشكل كامل، نتيجة لغياب العرب سابقاً وحالياً عن المشاركة والفعل والتأثير ولاحقاً لسنوات تبعاً لنضوج تشكل النظام العربي الجديد.

 لا حرب عسكرية. لكن هذا الخيار لن يرمى في سلة المهملات، سيبقى موجوداً تحت الطاولة. "العصا" الذي تسابق "الجزرة". حالياً بدل الحرب تشن أربعة حروب: حرب الظلال والحرب الناعمة قديمتان لكن يتم تجديدهما وتطويرهما بفاعلية ومن الطبيعي انه سيتم تصعيدهما وتفعيلهما بقوة، خصوصاً وأن حرب المعلوماتية أكدت نجاحها وانه يمكن بها منح المواجهة قوة دفع هائلة أثبتت فاعليتها ونجاحها. لا شك في أن الحرب الاقتصادية هي الأكثر فاعلية لأن واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي حشدوا دولاً كثيرة الى معسكرهما، نتائج هذه الحرب بدأت تظهر آثارها على الوضع الاقتصادي الإيراني.

 طبول الحرب التي تقرعها إسرائيل يومياً، يجب أن تتوقف. إيران تستفيد وتستثمر ضجيج هذه الطبول في رفع أسعار النفط والتعويض عن خسائرها بسبب الحرب الاقتصادية ضدها، وبالتالي تمويل مشاريعها العسكرية في كل المجالات.
ما لم يقله أوباما علناً يتم تداوله في الإعلام. واشنطن ترى أن "التشققات" التي بدأت بالظهور غداة الانتخابات الرئاسية عام 2009، بدأت تدفع إيران للانزلاق نحو فالق زلزالي حقيقي. ما يساهم في هذه العملية أن "رياح" الربيع العربي تندفع بقوة الى داخل المجتمع الإيراني، وهي إذا لم تظهر تردداتها حتى الآن فإن خروج الصراعات الداخلية الى العلن تؤكد هذا التحول.
الغريب، أن سوريا بقيت خارج هذا الحوار العلني بين أوباما ونتنياهو. لم يعرف هل تجنب الطرفان الكلام العلني عن سوريا، لأنهما يختلفان أيضاً في رؤيتهما للوضع وللتوقيت، أم لأن الكلام العلني محرج. يبدو أن إسرائيل لم تحسم موقفها من الحالة السورية.

في حين حسم أوباما موقفه السياسي لكنه ما زال يفتقد صيغة تنفيذ هذا القرار. الأرجح أن ما يشغل أوباما ونتنياهو، معرفة بديل النظام الأسدي. الأرجح أن إسرائيل لا تريد اكمال "الكمّاشة الاخوانية" حولها. في حين ان واشنطن التي تعتمد الواقعية السياسية ترى استمرار سياسة "سنرى بعد أن نجربهم". لذلك كله الموقف الأميركي خصوصاً والغربي عموماً سيستمر في خبثه رغم تضحيات الشعب السوري، حتى يمتلكان خريطة واقعية لمستقبل سوريا بعد سقوط النظام الأسدي.
ما يعزز اتجاه واشنطن للوقوف ضد النظام الأسدي والتأكيد على تنحية الرئيس بشار الأسد، انما يعزز عملية ليّ الذراع الإيرانية لأنه يفقدها حليفاً استراتيجياً منح كل دعاويها الفكرية والايديولوجية عمقاً ميدانياً لا غنى عنه لإيران في الحرب والمفاوضات.

من المبكر الحسم. إيران تملك قرار التصعيد والتهدئة. من الصعب التخيّل تشكل قرار إيراني بالانتحار، ولا قرار أميركياً بالدخول في حرب مجهولة النتائج.

السابق
السفير: مغارة المخالفات: 5 مليارات جديدة فوق الإنفاق الإضافي
التالي
شكراً للجيش والقوات الأمنية