اللبنانيون يتحدّون السلاح المذهبي!!

لم تكن ذكرى الرابع عشر من فبراير هذه السنة ذكرى عادية. كانت ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في العام 2005 مناسبة كي يثبت اللبنانيون انهم ليسوا مستعدين للرضوخ للسلاح غير الشرعي اكان ايرانيا ام سورية. يكفي ان هذا السلاح سلاح تابع لحزب مذهبي كي يكون في خدمة اسرائيل وسياساتها…
تأكد بما لا يقبل الشك ان الشعب اللبناني كان وراء اطلاق الربيع العربي عندما انتفض في وجه الوصاية السورية اثر اغتيال رفيق الحريري ورفاقه. تبيّن مرة اخرى ان حسابات المجرمين، الذين سارعوا الى العبث بمسرح الجريمة ومحاولة اعادة فتح الطريق امام فندق سان جورج (مكان الانفجار) قبل انتهاء التحقيقات، انما كانت حسابات خاطئة لا اكثر.

كلّما ادت اليه جريمة اغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما والجرائم الاخرى التي تلتها هو كشف المجرمين على حقيقتهم وكشف كيفية سعيهم الى تغطية ما يرتكبونه من فظائع بفظائع اكبر منها… وبسلاح غير شرعي موجه الى صدور اللبنانيين.
في الرابع عشر من فبراير 2012 ظهر المجرمون عراة. جاءت ساعة الحساب. لم يعد هناك من مجال لتغطية ما ارتكبوه لا عن طريق جرائم اخرى تنفذ في لبنان ولا عن طريق التهديد باحراق المنطقة. جاء المواطن السوري يطالب هذه المرة بحريته وكرامته رافضا وصاية مجموعة حاكمة ارادت استعباده بواسطة شعارات فارغة من نوع «المقاومة» و«الممانعة».

الاهمّ من ذلك كله، ان اللبنانيين بلسان الرئيس امين الجميّل والرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع اكدوا للشعب السوري انه ليس وحيدا. قالها امين الجميّل بأعلى صوته. وقالها سمير جعجع بكلّ صراحة. وقالها سعد الحريري بكل شجاعة، شجاعة رجال الدولة المستعدين لتحمّل مسؤولياتهم تجاه وطنهم وابنائه من كلّ الفئات ومن المذاهب والطوائف والمناطق. هناك بكلّ بساطة من يصرّ على استكمال مشروع البناء والاعمار في الوطن بعيدا عن الحسابات الضيقة والغرائز المذهبية. انها الغرائز التي يستخدمها المحور الايراني السوري في «لبنان – الساحة» عبر ادواته المحلية وادوات الادوات. على رأس ادوات الادوات ذلك النائب المسيحي الذي اسمه ميشال عون الذي لا همّ له سوى نهش جسد الدولة اللبنانية وتدمير المؤسسات وتهجير اكبر عدد ممكن من المسيحيين من لبنان.

في كلّ الاحوال، هناك مرحلة جديدة في لبنان والمنطقة. هناك قافلة تسير غير آبهة بما يصدر عن الادوات الايرانية والسورية او ادوات الادوات التي ترفض الاعتراف بأنّ جريمة اغتيال رفيق الحريري في مستوى جريمة المغامرة المجنونة التي اقدم عليها صدّام حسين عندما اجتاح الكويت في العام 1990. انتهى صدّام النهاية التي يستحقها. كانت حساباته خاطئة مثل حسابات الذين اعتقدوا ان اغتيال رجل في حجم رفيق الحريري مجرد «رذالة».
ما يشهده لبنان اليوم هو مقاومة شعبية مشروعة في وجه الظلم. هذه المقاومة أخذت زخما منذ العام 2005، علما انها قائمة منذ ما قبل ذلك بكثير. امتدت هذه المقاومة الى سورية. تكمن اهمية المقاومة اللبنانية، التي تجسّدها «ثورة الأرز» في ان اطراف حركة «الرابع عشر من آذار» متساوون في كلّ شيء كونهم لبنانيون حضاريون اولا. انهم حركة، من كل الطوائف والمذاهب والمناطق والفئات الاجتماعية، وليسوا حزبا.

امتلك سعد الحريري ما يكفي من الشجاعة للقول انه يتحمّل مسؤولية التنازلات التي قدّمها وتلك التي رفض ان يقدّمها. ذهب بعيدا في الكلام الصريح مع اللبنانيين. كيف لا وهو واحد منهم يؤمن اول ما يؤمن بانه يتصرّف انطلاقا من المبادئ التي آمن بها رفيق الحريري. على رأس هذه المبادئ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وبناء الانسان اللبناني. هل صدفة ان رفيق الحريري علّم اربعين الف طالب لبناني من جيبه الخاص من اجل ان يكونوا مع لبنان اوّلا وليس مع هذه الميليشيا المذهبية او تلك؟
كانت رسالة سعد الحريري واضحة. انه يرفض كلّيا تحميل الطائفة الشيعية دماء رفيق الحريري. المتهم ليس الطائفة الشيعية الكريمة التي هي ركن اساسي من اركان لبنان. اهمية لبنان في انه بلد متنوع يمتلك مجتمعا منفتحا على كلّ ما هو حضاري في العالم من دون اي عقد من اي نوع كان… لا تجاه المرأة وحقوقها ولا تجاه اي دين من الاديان السماوية.

كذلك، كانت الرسالة واضحة بالنسبة الى السلاح. السلاح الذي يحمله «حزب الله» ويتغنّى به ليس سلاحا شيعيا. كلّ ما في الامر انه سلاح موجه ضد لبنان وضد اللبنانيين وضد الشيعة انفسهم… وضد الدولة اللبنانية التي اراد النظام السوري القضاء عليها عن طريق السلاح الفلسطيني في مرحلة السبعينات والثمانينات، قبل ان تتولى ايران، بتسهيلات سورية، الاستثمار في السلاح المذهبي من اجل القضاء على الصيغة اللبنانية.
لم تقلّ الرسالة التي وجهتها المعارضة السورية الممثلة بـ«المجلس الوطني» اهمية عن الخطابات الثلاثة التي القيت في ذكرى الرابع عشر من فبراير. كانت رسالة واضحة ايضا نظرا الى اعترافها بأن ربيع بيروت مهّد لربيع دمشق. لم يكن ذلك ممكنا لولا وجود شخصيات لبنانية، مثل الاخ الحبيب سمير قصير، دفعت غاليا ثمن ايمانها بالشعب السوري.

جاء الآن من يؤكد ان دماء الشهداء والشهداء الاحياء لن تذهب هدرا. جاء سعد الحريري يقول: «أنا سعد رفيق الحريري أتحمّل أمامكم مسؤولية التضامن مع الشعب السوري وتأييد حقه في اقامة نظام ديموقراطي».
آن آوان أن يقول اللبنانيون بالفم الملآن ما يؤمنون به وان نصرة الشعب السوري أكبر خدمة تقدم إلى لبنان وسورية واللبنانيين والسوريين في آن. فوق ذلك كلّه جاء من يطمئن الى أن لا تأثير لانتصار الشعب السوري على التوازنات الطائفية في لبنان. مثل هذا الانتصار الذي يربطه بعضهم بأهل السنّة سيعزز العلاقات بين اللبنانيين، كل اللبنانيين، نظرا إلى انه سيقطع الطريق على الذين راهنوا دائما على الخلافات اللبنانية – اللبنانية وعلى الخلافات الطائفية والمذهبية لإيجاد مواقع لهم في لبنان! 

السابق
شابلن ودراكولا
التالي
بيضون: السلاح أصبح مجرد أرقام