فيروس عون_ميقاتي قاتل!

«لقد ارتضى اللبنانيون نظام الديموقراطية التوافقية، وكرّسها الدستور حفاظاً على جميع مكونات المجتمع اللبناني التعددي، وإفساحاً في المجال لها جميعاً، لأن تشارك مشاركة متوازنة في الحياة الوطنية والقرارات المصيرية، وفي إدارة شؤون الوطن، وفي مشروع بناء الدولة وتنميته وتطويره».
(من الثوابت المارونية ـ 6/12/2006)

تعددت الآراء في شأن موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري من الخلاف الأخير في مجلس الوزراء بين الرئيس نجيب ميقاتي، و«كتلة التغيير والإصلاح» التي يترأسها العماد ميشال عون.
واستوقف المراقبين توجّس بري من ان يكون الخلاف بين الفريقين الذي تسبب في تعليق جلسات مجلس الوزراء، حتى إشعار آخر، على يد رئيس الجمهورية بطلب من رئيس الحكومة، مفتعلاً ويُخفي أهدافاً تتجاوز ما ظُنّ أنه «قلوب مليانة» بين عون وميقاتي. فضلاً عن القول، من جهة أخرى، أن المسألة قد جرى تضخيمها لاعتبارات طائفية وسياسية متصلة بالأوضاع الإقليمية، خصوصاً في سوريا، والإحراج الذي تواجهه الحكومة من السلطات السورية جراء عدم ضبط لبنان خطوط تهريب السلاح إلى المعارضة في الداخل السوري، فضلاً عن مطاردة قوات سورية لجماعات مسلحة داخل الأراضي اللبنانية.
ورشح من أوساط بري انه يريد استكشاف الجو أولاً، خصوصاً جو العماد ميشال عون الذي يتهم الرئيس ميقاتي بمخالفة الدستور، وكذلك الرئيس ميشال سليمان الذي لم يعد في نظر عون «حَكَماً نزيهاً»، بل تحوّل «شريكاً مضارباً» وطرفاً مناوئاً له، ومتسبباً في عرقلة التعيينات لأنه يصرّ على حصة فيها لم يلحظها له الدستور.

إلا ان «تشخيص» بري يذهب إلى ما هو أبعد من الحاجة إلى «مبرَد سياسي» لتدوير زوايا خلاف عون ـ ميقاتي ـ سليمان. إذ هو يجد في هذا الخلاف مظهراً بشعاً من مظاهر الطائفية السياسية التي وقف السياسيون المنتفعون منها في وجهه عندما دعا في 13 كانون الثاني 2010 إلى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وذلك تنفيذاً للمادة 95 من الدستور التي نصّت أن «على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية…»، على أن تكون الهيئة برئاسة رئيس الجمهورية، وتضمّ رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، و«شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية».
اننا أمام مشهد واضح جداً بالنسبة إلى رئيس السلطة الاشتراعية. سطوة طائفية، ومذهبة للمؤسسات وشهوات أنانية تطيح الدستور والقوانين وتطرح محاصصات وتسويات تجد من يرفضها ـ مثل العماد ميشال عون ـ لتعارضها مع الدستور ولأن فيها افتئاتاً على حقوقه الطائفية، كما يقول، باعتباره مشاركاً أساسياً في مجلس الوزراء ولا يجوز تجاوزه في أي تعيينات سواء أكانت مسيحية أم إسلامية، لأنه شريــك في القرار وأوصلته إلى مجلس الوزراء صفته التمــثيلية للشعب، في حين أن رئيس الجمهورية، الذي ينافســه على هذا الدور، لا يتمتع بأي صفة تمثيلية، لأنه رئيس توافقي جاء من خــارج مجلس النواب.  
وهنا تطرح مسؤولية رئيس الجمهورية بعدم الإقدام على طرح مسألة تنفيذ المادة 95 المتعلقة بالهيئة الوطنية لدرس إمكان إلغاء الطائفية السياسية والتي ولاّه الدستور عليها رئيساً كامل الأوصاف، بدل الاكتفاء بطرح تعديل الدستور في وجه وزير العمل شربل نحاس الذي يرفض توقيع مرسوم بدلات النقل للعمال لأنه في نظره غير شرعي، متمتعاً بذلك بحق دستوري، في حين يمنع هذا الحق على الرئيس الذي يلزمه الدستور بنشر القوانين دون أن «يدخل تعديلاً عليها، او أن يعفي أحداً من التقيد بأحكامها».

و«معلّم» الوزير نحاس في حفظ المراسيم في الأدراج وعدم توقيعها، هو الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي وضع في الدرج، حيث لا يزال، قرار مجلس الوزراء في 18 نيسان 1998 بتبني الزواج المدني، مع أنه نال 21 صوتاً من أصل 30 صوتاً. وقد وجّه الرئيس الياس الهراوي في اليوم التالي رسالة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري حول الموضوع جاء فيها: «(…) وإنني أتطلّع إلى إلغاء الطائفية من جذورها حتى نستأصل أسباب التناحرات المذهبية المتلاحقة في مجتمعنا وعلى أرضنا، بمقدار صوننا لحرية المعتقدات الروحية وحمايتها على قاعدة الدين لله والوطن للجميع».
وكان «السلف الصالح» للرئيس ميقاتي رياض الصلح قال في البيان الوزاري للحكومة الاستقلالية الأولى: «(…) ومن أسس الإصلاح التي تقتضيها مصلحة لبنان العليا، معالجة الطائفية والقضاء على مساوئها، فهي تقيّد التقدم الوطني من جهة، وتسيء إلى سمعة لبنان، من جهة أخرى، فضلاً عن انها تسمم العلاقات بين الجماعات الروحية التي يتألف منها الشعب اللبناني». وأشار إلى «ان الساعة التي يمكن إلغاء الطائفية فيها هي ساعة يقظة وطنية شاملة ومباركة في تاريخ لبنان».
وكان النائب بترو طراد قال لدى مناقشة المادة 95 من الدستور عام 1926: «لا وطنية إلا إذا حُذفت الطائفية»، وأشار جورج زوين إلى انها «العلّة التي تقتلنا».
فأين الرئيس ميقاتي من الرئيس رياض الصلح وقوله «متى غمر الشعب الشعور الوطني الذي يترعرع في ظل الاستقلال ونظام الحكم الشعبي، يُقبل بطمأنينة على إلغاء النظام الطائفي المضعف للوطن»؟

من يربح في هذه المعركة، بعدما خسر رئيس الجمهورية ثقة الفريق المسيحي القوي في السلطة، وتعذّر عليه جمع الآخرين حول طاولة الحوار؟
لقد سبق ان طُرح على الرئيس شارل حلو سؤال مماثل بعد إقرار الطائف، فأجاب بأن اللبنانيين «وافقوا على اتفاق هم غير راضين عنه، واختاروا أهون الشرور على أساس أن أخطار القبول، أقل بكثير من أخطار الرفض». وأضاف: «ان الطائف، مثله مثل غيره من الاتفاقات. رهن بتفكير كل من المتعاقدين، ورغبته وقوته. فإذا كان واحد أقوى من الثاني، مؤكّد انه يفهم النص على طريقته، وينفّذه كذلك على طريقته».
فهل نحن أمام استعراض قوة، ومَن هو الأقوى في مجلس الوزراء؟ وكلمة من «ستمشي»؟
أم أن الوقت قد حان لـ«اليقظة الوطنية» التي دعا إليها الزعيم رياض الصلح، لنستلحق بها «الربيع العربي»؟  

السابق
السفير: موسكو تحذر من أي تحرّك دولي أحادي: الحل بالحوار الوطني السوري
التالي
البناء: روسيا تحذّر الغرب من التهوّر ونجاد مع سورية في كلّ مواقفها