السفير: هذه هي مواقف سليمان وبري وميقاتي وعون وحزب الله وجنبلاط من الأزمة المفتوحة

بمنطق تبسيط الأشياء، يمكن القول إن حكومة نجيب ميقاتي تواجه أزمة سياسية غير مستعصية، عنوانها المباشر والجذاب "التعيينات"، ولكن مضمونها الفعلي، قد يكون أقل من ذلك بكثير، سواء اتصل بالسياسة أم الإدارة أم الاقتصاد أم المزاجية أم "الكيمياء الناقصة" بين مشارب مكوناتها السياسية.
أما في منطق التضخيم، فيمكن القول إننا لسنا أمام اعتكاف حكومي وحسب، بل أمام أزمة سياسية مستعصية، عنوانها الخلاف على تعيين موظف، ولكن مضمونها متصل بحسابات وخيارات دولية وإقليمية.
تبدأ هذه الحسابات بالداهم منها وهو الاستحقاق السوري المشرّع على الوقت.. والاحتمالات، وتنتهي بالملف النووي الإيراني وارتفاع اللهجة الإسرائيلية عن توجيه ضربة عسكرية لايران واستعداد طهران للردّ على تنفيذ الحظر النفطي في تموز المقبل، من دون إغفال محطة المحكمة الدولية، خاصة أننا على عتبة أربعة اسابيع من موعد تمديد بروتوكول المحكمة، وهي الفترة التي كان يفترض أن يسعى خلالها لبنان الى تعديل البروتوكول، بشقيه السيادي والمالي، بالإضافة الى عناوين أخرى، صارت موضوعة على طاولة "الخبراء" في بيروت.. قبل أن تطير الى لاهاي.
وبين هذا المنطق وذاك، يمكن الاستنتاج أن الحكومة، قد فشلت حتى الآن، وبالدليل الحي، في اختبار إثبات تماسكها وتجانس مكوناتها، وقدمت شهادة لا لبس فيها بعد أقل من سبعة أشهر على ولادتها بأنها حكومة موجودة بحكم الضرورة، ويكاد من أعطاها تســمية "حكومة كلنا للعمل"، يتواضع بجعله "كلنا للشلل والتعطيل".
في سبعة أشهر، تمنى اللبنانيون لو ان هذه الحكومة نجحت في توفير الحد الأدنى من الامان السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بدل تقاذف كرة المسؤولية والتعطيل، وها هي اصبحت حكومة مستقيلة عملياً، انما مع وقف التنفيذ، تستمد بقاءها من بدعة تعليق جلساتها ريثما يتوقف التعطيل بحسب الشعار الذي رفعه رئيس الحكومة وعاد وكرره من طرابلس امس، ملقياً الكرة في ملعب رئيس "تكتل الاصلاح والتغيير" النائب ميشال عون، وجدد أمام زواره لاءاته: لا استقالة ولا اعتكاف ولا جلسات لمجلس الوزراء طالما استمر التعطيل العوني، وأكمل: "لولا دقة الظروف الإقليمية واللبنانية.. لكنت أقدمت على الاستقالة".
واذا كان من البديهي القول إن الازمة الحكومية المستجدة هي تتويج طبيعي ومنطقي لعلاقة طالما ربطها خيط رفيع جداً بين ميقاتي وعون، فإن وقائع "الاشتباك الأخير" في مجلس الوزراء، أمس الأول، وما أحاط به، تشي بخطر انقطاع هذا الخيط، وهو أمر تبدّت أولى معالمه بإدخال الحكومة في عنق زجاجة ضيقة، لا يمتلك أيّ من مكوّناتها قدرة التنبؤ على كيفية إخراجها منه.. ومتى؟
ولقد ألقت هذه الازمة بثقلها على المشهد الداخلي، وسجلت في هذا السياق حركة اتصالات محدودة ليل الاربعاء الخميس، على مثلث "حزب الله" ـ "امل" ـ "التيار الوطني الحر"، وما بين "حزب الله" والرئيس نجيب ميقاتي إثر انفضاض جلسة مجلس الوزراء ليل الاربعاء الماضي، بهدف تجاوز هذه الأزمة التي باتت محكومة بسقف عالٍ من الشروط لدى رئيس الحكومة، يقابله في الجانب الآخر سقف مماثل من الشروط المضادة لدى رئيس "تكتل الاصلاح والتغيير".
رئيس الجمهورية ميشال سليمان يده بيد ميقاتي، وكل غايته تشكيل سد في وجه المد العوني، سواء في السياسة ام التعيينات التي يقول إنه يريد حصته منها مهما كلف الأمر، ولا رجعة لديه عن هذا القرار، وهو يدعو ميشال عون الى الاقتداء بحليفه "حزب الله" الذي لا يجعل شاردة أو واردة تمر إلا بالتنسيق والتضامن والتكامل بينه وبين الرئيس نبيه بري وهو أمر يسري أيضاً على باقي مكونات الحكومة حيث يتشاور نجيب ميقاتي مع حلفائه في التعيينات وغيرها ولا يترك وليد جنبلاط استحقاقاً إلا ويأخذ بخاطر ورأي طلال ارسلان..
واما وليد جنبلاط، فقد ملّ من سماع اسطوانة من يسمّيهم "ملائكة الشرف البرتقاليين"، وهؤلاء لو مارسوا قليلاً من التواضع "لكان ذلك أرحم للبلد".. وعندما يُسأل عما اذا كان له دور ما في حركة الاتصالات، يفضل النأي بنفسه عن ذلك بقوله "ليست لي علاقة". الا انه قال في برنامج "كلام الناس" في المؤسسة اللبنانية للإرسال "إن كل الامور تحل، ويجب ان يحكى مع ميشال عون، إننا يجب ان نبقى في هذه الأكثرية حفاظاً على البلد، ونستطيع ان نعالج ملف التعيينات بهدوء من دون مزايدات".
ورداً على سؤال عما اذا كان ميقاتي في صدد الاعتكاف، قال جنبلاط: غير مسموح لأحد منا الاعتكاف. واعلن رداً على سؤال آخر "لن اترك نجيب ميقاتي أبداً وسأبقى معه نغرق معاً او نعوم معاً".
واما نبيه بري فلا يقل تبرماً، فما حصل في مجلس الوزراء كان متوقعاً بالنسبة له، خاصة في ظل التراكمات الكثيرة حيال الكثير من الملفات، ولا يعكس ما يوحي بإطلاقه حركة اتصالات لاحتواء ارتدادات الازمة، وحتى مساء امس لم يكن قد تواصل مع رئيس الحكومة، وقال لـ"السفير": "ما جرى في مجلس الوزراء هو نتاج قلوب مليانة"، مستغرباً ان يفعل اهل الحكومة ما يفعلونه بها، داعياً الى التوقف عن جلد الذات بهذه الطريقة. ومشدداً في الوقت نفسه على ضرورة وقف النكايات المتبادلة بين اطراف مجلس الوزراء، لأن من شــأنها ان تؤذي لبنان واللبنانيين ليس إلا.
واما "حزب الله" الذي اختار أن يكون في سراء وضراء واحدة مع نبيه بري، فعينه على الحليف الاستراتيجي ميشال عون، وعلى نجيب ميقاتي رئيس حكومة الضرورة الذي لا بديل عنه، وأن لا يخسر وليد جنبلاط، والأهم من ذلك كله أن يحفظ الحكومة واستمراريتها ومعها استقرار البلد في هذه اللحظة المصيرية، التي يخشى فيها ان يكون لبنان مرآة عاكسة لشتى تناقضات واحتمالات الاقليم.
وها هو الحزب يحرّك ماكينته في الاتجاهات كلها، ولكن لا نتائج احتوائية حتى الآن، فميقاتي متصلّب، وعون رافض لاستمرار الابتزاز من الحلف الوسطي الممتد من ميشال سليمان الى نجيب ميقاتي ووليد جنبلاط "وأنا لن أقبل بالقفز فوق موقع وحجم ما يمثله تكتل الإصلاح والتغيير الذي يشكل ثلث الحكومة وصاحب أكبر كتلة نيابية مسيحية" على حد تعبير زوار عون.
تطرح هذه المواقف مجموعة من الأسئلة:  
من المسؤول المباشر عن هذه الأزمة، وما هي الغاية من تفاقمها؟
هل يستطيع ميقاتي وعون أن يتنصلا من المسؤولية او الشراكة في المسؤولية عن خراب البصرة او ان يعلن أي منهما براءته من دم هذا الصدّيق الحكومي؟
هل العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من جهة، وبين رئيس تكتل الإصلاح والتغيير من جهة ثانية قد وصلت الى طريق مسدود، أم أن ثمة قطبة مخفية لم يفصح أحد عنها حتى الآن؟
هل هناك من تلقف قضية التعيينات لتعليق جلسات مجلس الوزراء، تمهيداً للدخول في بازار يعيد إنتاج شراكة حكومية جديدة؟
هل اللحظة السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية مؤاتية فعلاً لهز الوضع الحكومي ومن خلالها الاستقرار السياسي، ومن هو المستفيد أو الخاسر، داخلياً وخارجياً مما حصل؟
ماذا لو سقطت الحكومة نهائياً، هل يستطيع أحد ان يقدر حجم تداعيات السقوط، وهل يستطيع أي طرف بعينه ان يلملم التداعيات التي قد تنشأ، وهل تضمن الأكثرية اعادة انتاج نفسها وصولاً الى اعادة انتاج حكومة جديدة تحكمها وكيف؟ وهل بدأ العدّ العكسي لحكومة تتولى تصريف الأعمال من الآن وحتى انتخابات العام 2013 اذا تعذر إيجاد بديل عنها؟
هل أصبح اللبنانيون ضحية بازار انتخابي دخله ميقاتي وعون باكراً، على قاعدة "هاجمني فأراكم شعبية"؟
هل نقطة التقاطع المحلية والإقليمية والدولية التي حكمت تشكيل الحكومة، ما زالت موجودة، أم أنها تحولت الى نقطة افتراق، وهل الحكومة تلفظ أنفاسها الأخيرة، ام انه ما يزال هناك متسع لمدها بالأوكسيجين الذي يطيل عمرها سياسياً؟
هل اصاب ميقاتي في قراره تعليق جلسات مجلس الوزراء الى حين وقف التعطيل، وهل يقابل الخطأ بخطأ اكبر، والا يمكن ان يؤدي ذلك الى صدور اصوات تطالب بتعديلات دستورية تحول دون تحكم أي طرف بمجلس الوزراء انطلاقاً من خلفية سياسية او مزاجية؟
لماذا غادر ميقاتي منطق التجاهل الذي كان يعيره لكل المنصات السياسية التي كانت تستهدفه، ولماذا قرر فجأة أن يرتدي القفازات وينزل الى حلبة الملاكـمة السياسية؟
هل ميقاتي افتعل المشكلة، او أنه قطع الطريق على الآخرين بأن يقدّموا أنفسهم أبطالاً، وبالتالي من الذي بالغ إلى حد تكبير حجر موضوع التعيينات، وألم يكن بالإمكان تمرير الأمر بأقل من تعطيل الحكومة، أم أن الحكومة كانت معطلة فعلاً سواء اجتمعت مرة في الأسبوع أم سبع مرات أسبوعياً!
هل صحيح ان وزير العدل شكيب قرطباوي قد اطلع من رئيس الحكومة على الأسماء المرشحة للهيئة العليا للتأديب ووافق عليها قبل أن يصوّت عكس قناعته في مجلس الوزراء ثم يقول لاحقاً إنه كان قد طلب من رئيس الحكومة قبل الجلسة سحب البند المتعلق بالتعيينات، وإذا صحت هذه الفرضية، لماذا لم يستجب ميقاتي له؟
هل ما حصل ناجم عن سوء إدارة ملف من قبل "تكتل الاصلاح والتغيير"، كما حصل في مرات عدة، وهل صحيح ان وزير العدل هو من قدم لوائح باسماء المرشحين في بداية الامر، من دون تنسيق مسبق مع العماد عون، ثم عاد وطلب من ميقاتي سحبها بعدما رفضها رئيــس "تكتل الإصلاح والتغيير"؟
هل موقف ميقاتي ناجم عن ضيق مزمن من التعاطي العوني معه، بدءًا من مرحلة التكليف والتشكيل وصولاً الى التعيينات مروراً بخطة الكهرباء وملف تصحيح الاجور، وهل اصرار ميقاتي على إدراج بند التعيينات، جاء بمثابة "ردة إجر" على عون الذي هدد بتسيير تظاهرة عونية في اتجاه السرايا الحكومية، وعلى تراكمات عونية آخرها تمنُّع وزير العمل شربل نحاس عن توقيع مرسوم بدل النقل برغم قرار مجلس الوزراء في هذا الشأن؟
ما هي الخلطة السياسية القادرة على جعل حدود الربح أكبر من حدود الخسارة لجميع مكونات الحكومة؟ وهل ثمة فرصة لإطلاق عجلة العمل الحكومي من جديد، وهل ثمة وصفة اساساً تستطيع ان ترضي جميع الاطراف الذين يقفون على طرفي نقيض واختلاف على الاساسيات والبديهيات وحتى على جنس الملائكة؟
قبل الاجابة على هذه الأسئلة وغيرها، لننتظر محركات نبيه بري، فمتى أدارها، ربما تكون "البشارة" بحصوله على "بدل النقل" بين السرايا والرابية وبعبدا.. واللبيب من الإشارة يفهم.. خاصة أن من رصد مواقف دمشق وواشنطن في الساعات الأخيرة.. تكوّن لديه الانطباع بوجوب الحفاظ على استقرار لبنان السياسي وألفباء ذلك، عدم اهتزاز الحكومة الميقاتية. 

السابق
النهار: الأزمة الحكومية عالقة وجسور الوساطات مقطوعة المحكمة تطلب التمديد وتعيين خليفة بلمار قريباً
التالي
الشيخ الاسير