خيبة ناطحي الصخرة السورية

بدأت تظهر جليّاً علامات الخيبة لدى أسياد المؤامرة على سورية، عرباناً وأتراكاً وغرباناً غربيين، بل لنقل علامات الذعر والهستيريا والقهر التي تمظهرت ضعفاً سعودياً بإعلان ابن الفيصل سحب الأعضاء السعوديين من بعثة المراقبين، واندفاعاً قطرياً "جاسمياً" نحو "حلم التدويل"، وانكفاءً تركياً عن مشاريع ميدانية كانت معدّة في جوهر المؤامرة وجذرها (من نوع المنطقة العازلة وسواها)، وفقدان أمل أميركياً وأوروبياً في إحداث اختراق وفتح ثغرة في جدار القلعة السورية الحصينة… ومصيبة هؤلاء جميعاً ومأساتهم أنهم لا يقرأون التاريخ ولا يتبصّرون في الواقع، فلا عجب إن خابت آمالهم وأحلامهم ومشاريعهم وفشلت مؤامراتهم وتناثرت أحقادهم وتهاوت التزاماتهم وعهودهم لأسيادهم في واشنطن وباريس وسواهما من عواصم صناعة الشرّ والفتن والحروب والمؤامرات، لو عرّجنا على لندن والاتحاد الأوروبي والعديد من دول الغرب التي يضنيها هوى "إسرائيل" وتناصب أمّتنا الضغينة والعداء.

ربما لم تحصل في التاريخ، البعيد والقريب، مؤامرة مكشوفة ومعلنة (إلى حدّ الوقاحة) بهذا الحجم، يجنّد لها المال والسلاح والإعلام ولوجستيات التواصل والاتصال، وتذاع أهدافها (ويحهم، الطائفية) علناً، بلا خجل أو مواربة، انطلاقاً من قواعد طائفية بغيضة تزعم نصرة مذهب إسلاميّ ضد مذهب آخر، بحجة المظلومية والأحقيّة الأكثرية لتسلّم السلطة والحكم من "أقليّة" تحكم تلك "الأكثرية" منذ عقود و"من غير وجه حقّ"، خاصة أن المعركة الكبرى ـ في عرف الغيارى على الدين والشريعة والمذهب الأكثري في دنيا العرب ـ هي مع إيران الشيعية الفارسية الفائقة الخطر والشديدة الطمع وصاحبة مشروع الهيمنة، وليست المعركة البتّة مع الكيان الصهيونيّ المجرم والمسخ وما يمثّله من أخطار فعلية وحقيقية (لا افتراضية كما في الحال الإيرانية بالنسبة إلى عربان النفط والفحش وتبديد الثروات) على الأمة السورية والشعوب العربية! هكذا أَمَرَ أسياد البنتاغون والـ"سي آي إي" أتباعهم الصغار في الجزيرة العربية والخليج العربيّ، أن تصير إيران هي العدوّ وأن تُحسب "إسرائيل" مشروعاً مستقبلياً قريباً للسلام والتطبيع الكاملين، ومشى الأعراب "المتغربنون"، طوعاً ومرغمين في آن واحد، في الخطة ـ المشروع المعدّة لمستقبل منطقة الشرق الأوسط، ولا حاجة إلى سرد تفاصيله المعروفة للقاصي والداني. لذا لا أمر آخر يفسّر تلك الاندفاعة القطرية ـ السعودية ـ الأميركية ـ الفرنسية المسعورة، المتوترة، المستعجلة إسقاط آخر قلاع الممانعة للسلام ـ الاستسلام مع "إسرائيل"، وتعجيل عملية "السلام" المزعوم وإنهاء الصراع التاريخيّ بشراكة مصطنعة بين نفط سنّي وإدارة استثمار يهودية صهيونية، على أن يقف الشريكان الجديدان معاً في وجه إيران الفارسية الشيعية لمحاصرتها وإسقاطها وإخضاعها والقضاء على "خطرها" المزعوم وأحلام سيطرتها المفترضة، مرة واحدة إلى الأبد! 
لكن، بقدر ما تتصاعد وتيرة هذا المشروع ـ الحلم، بقدر ما يتعرض للخيبات والانتكاسات من شدّة اصطدام رؤوسه الحامية (لأمثال سعود الفيصل وحمد بن جاسم) بالصخرة السورية الصلبة والمنيعة، التي لم تنجح أصابع المؤامرة، إن الداخلية أو الخارجية، في تفتيت ذرّة صغيرة منها، فارتدّت على الأعقاب إلى أصحابها وراحوا ينسحبون أو يستنجدون بـ"مجلس الأمن" (حيث أكثر من فيتو ـ ويحك يا حمد ـ في الانتظار) أو يقيمون المناحة في باريس أو يصعّدون التهديد والوعيد الفارغين في واشنطن… وإن دلّ ذلك كلّه فعلى ضياع وخسارة وهزيمة وفقدان أمل، وعلى عنجهية مريضة ترفض الاعتراف بفشل المؤامرة بعد عشرة أشهر من المحاولات المستميتة، في الإعلام القويّ كذباً وتلفيقاً وتزويراً للحقائق، وعلى أرض الواقع في الداخل السوريّ قتلاً وإرهاباً وترويعاً على أيدي المرتزقة المجرمين المأجورين بالمال والسلاح.

عاجلاً أم آجلاً، سوف يعترف المتآمرون بهزيمتهم وعجزهم عن تفتيت ذرّة من الصخرة السورية الصلبة عراقة وحضارة وتاريخاً وموقعاً جيوسياسياً متقدّماً لمصالح قوى عظمى واستراتيجياتها مثل روسيا التي لم تعد تخدعها نقلات أميركا المتذاكية فوق رقعة الشطرنج العالمية، وسورية بالنسبة إليها قلعة دفاع متقدّمة ولن تقبل بخسارة اللعبة (الأممية حقاً) أمام اللاعب الأميركي الذي خال لعقود ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أنه اللاعب الوحيد والقطب الأوحد وسيطرته التامّة على العالم أضحت أمراً مفروغاً منه، فإذا برياح باردة تهبّ على رأسه الحامي من بلاد الصقيع فتبرّده وتوقظه على واقع جديد، وعلى عالم آخر يتشكّل ويبدّد حلم القطب الأوحد، وسورية جزء أساسي من هذا العالم المتشكّل، ليس وحيداً في المعركة، ولا سبيل إلى إسقاطه أو إخضاعه.  

السابق
الثورة في مصر مستمرة
التالي
عبد الحليم خدام: الأسد أبلغ حلفاءه اللبنانين نيته في إقامة دولة علوية