ماذا حصل في عشاء الرابية؟

تسنّى لكلّ من التقى وزير العمل شربل نحاس في الساعات الأخيرة، وتحديدا منذ خروجه غاضبا من جلسة مجلس الوزراء، أن يقرأ على ملامحه بعضا ممّا يفكّر فيه.

فالاتفاق – المخرج لقضية الأجور، الذي حصل بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس تكتل الإصلاح والتغيير النائب العماد ميشال عون ليل الثلثاء في منزل وزير الطاقة جبران باسيل، قضم الكثير من تطلّعات نحاس وسعيه ليس فقط الى ما يعتبره تصحيحا بنيويا في الأجور، بل الى إعادة تركيب النظام الاقتصادي – الاجتماعي – المالي على انقاض ما يراه تشويها متعمّدا طال هذا النظام على امتداد عقدين ونيف.

وزير العمل ممتعض الى أقصى الحدود. فتَعَب ساعات طوال من العمل والأمل شطبَ معظمه عشاء الرابية ليل الثلثاء. وبدا ان اكثر ما اقلقه وربما اغضبه انه لم يكن على دراية بما رّتب له في ذلك العشاء. مع ان قريبين منه لا يخفون انه يستشعر منذ تناسل أزمة الأجور وملحقاتها ان ثمة من ينصب الكمائن له، لمجرد احراجه فإخراجه من الحكومة: إما استقالة انسجاما مع نفسه وافكاره ومشروعه، وإما اقالة من خلال مرسوم بدل النقل مخالف لقناعته، فيدفع ثمن عدم توقيعه.

تقلّل اوساط التيار الوطني الحر من تداعيات ما حصل في الرابية وارهاصاته في مجلس الوزراء. وتشير الى ان احدا ليس في وارد خسارة كفاءة بحجم شربل نحاس، لا التيار ولا تكتل الاصلاح والتغيير ولا رئيس الحكومة نفسه.

وترى ان ما حصل في مجلس الوزراء تكريس لمنطق وزير العمل، ومقدمة لتصحيح مستدام لمفهوم الاجر. فمن الآن وصاعدا سيكون العامل مع مطلع كل سنة على موعد مع علاوة تناسب حجم التضخم وتوازي غلاء المعيشة، في مسيرة اصلاح طويلة لوضع هذا العامل ولمفهوم العمل القائم على قوانين اريد لها قبل 50 عاما ان تكون موقتة ومرحلية تخدم عهدا محددا، فأصبحت مُنزلة لا يستطيع احد مس نقطة حبر فيها.
 وتلفت الى ان العمال على موعد مع استحقاق جديد سينصفهم يتمثل في اقرار مشروع قانون لبدل النقل في القريب العاجل، مع الاشارة الى ان مجلس الوزراء كلّف اول من امس وزير العمل تحضير نصّ هذا المشروع، وهو ما سيقدّمه الاسبوع المقبل.

وترفض الأوساط مقولة ان نحاس وضع نفسه في موقف حرج نتيجة تمسّكه بآرائه واحراق اشرعته، مؤكدة ان رؤية هذا الرجل وعناده في الحق أسّسا سبيلا جديدا للعمال يصحّح كل الخلل الذي اصاب هذا الطبقة بفعل ممارسات سابقة خاطئة وملتبسة.

في الموازاة، تعرب مصادر سياسية عن اعتقادها بأن ازمة الاجور لم تقفل نهائيا بعد، إذ لا تزال الأمور رهن قرار وزير العمل، الذي كان واضحا في داخل مجلس الوزراء ثم مع من التقوه او اتصلوا به بعد الجلسة انه لن يوقّع على أي قرار من شأنه ان يتعارض وانسجامه مع نفسه وقناعاته الشخصية والاقتصادية.

وتشير الى ان وزير العمل سيضع نفسه والتكتل الذي ينتمي اليه في موقف حرج في حال أصرّ على رفضه تنفيذ قرار مجلس الوزراء، وإذ ذاك لا سبيل سوى الاستقالة او الاقالة، وهو امر لن يكون هيّنا على العماد عون الذي لن يفرّط بهذا اليسر بجهود رجل كانت له بصماته الرئيسة في كل المفهوم الاقتصادي للتيار منذ العام 2005.

لكن اوساطا حكومية تؤكد ألا نية اطلاقا لا لإحراج وزير العمل ولا لتجاوزه، بل ان ما حصل قبل يومين هو صفحة جديدة في العلاقة بين رئيس الحكومة و»التيار الوطني الحر» ستكون لها ايجابيات جمة في اكثر من ملف.

وتتوقع ان يكون وزير العمل متفهّما تماما وان ينفذ قرار الحكومة، وخصوصا انه ارتكز في معظمه على مفهوم نحاس ورؤيته والورقة التي وضعها وتلاها اول من امس على مدى 30 دقيقة على مسامع رئيس الحكومة والوزراء.

في الخلاصة، من غير الواضح بعد ما سيكون عليه قرار وزير العمل، على رغم ان المؤشرات كلها تدل على ان اتصالات حثيثة حصلت معه في الساعات الاخيرة معطوفة على اجتماعات عدة، اسفرت عن نتيجة مقبولة، علما ان وزير العمل كان قد قرر ان يعتكف امس في منزله.

كما ليس واضحا ما اذا كان القرار نص مشروع المرسوم العتيد، في حال اقتنع نحاس بوضعه، في حاجة الى موافقة من مجلس شورى الدولة، على رغم انه في ضوء الاتفاق في مجلس الوزراء، لا يتوقع احد مفاجأة جديدة من نوع رد المشروع، على غرار المرّات الأربع السابقة.  

السابق
لقاء اوغلو_رعد… لماذا خرج الاخير ممتعضاً وماذا أبلغه الزائر التركي ؟
التالي
اوغلو يشيد بالسيد