البون وحيداً ضد العونيين

ليس اختفاء العميد كارلوس إدة السبب الوحيد لاطمئنان العونيين إلى وضعهم الانتخابيّ في كسروان. هذا مبرر يضاف إلى وقائع كثيرة تعزز ثقة العونيين بأنفسهم كسروانياً؛ حيث لم يبق من الفريق الذي كان يواجههم غير النائب السابق منصور البون

كي يصل النائب السابق منصور البون إلى منزل عائلته، يتحتّم عليه المرور بمنزل والده النائب الراحل فؤاد البون. هناك، غالباً ما يكون في انتظاره حشد من الكسروانيين. الذي يريد وظيفة لابنته، والذي يود تقسيط فاتورة الكهرباء، والذي يعتقد المنزل صيدلية أو مكتب تخليص معاملات. يقضي البون أربع ساعات بين السابعة مساءً والحادية عشرة، بالاستقبال وتسجيل الملاحظات. ينتقل بعدها من المنزل الأول إلى الثاني، هناك تكون زجاجة نبيذ في انتظاره وطاولة صغيرة يرتّب فوقها الأولويات، موزّعاً العمل على نفسه وزوجته وشقيقه. لا ينام أكثر من خمس ساعات، ليستيقظ في السادسة صباحاً: «هاتان الساعتان بين السادسة والثامنة هما لي». يبتسم: «حتى عندما تأوي إلى الفراش، لا يكون وقتك لك». ومنذ الثامنة، ينطلق البون في جولة على الإدارات الرسمية لتلبية الخدمات وفق الأولويات التي أدرجها على ورقته الصغيرة في اليوم السابق، مردداً أن «الهاتف لا يحل مشكلة، لا بد من زيارة المعنيين في مكاتبهم». حتى عند رئيس الجمهورية، لا يضيّع البون وقتاً في النقاش السياسي والتحليل: يسلّم، يخرج الورقة ويبدأ بتقديم الطلبات. في صفوف المناوئين لتكتل التغيير والإصلاح في كسروان لا يمكن رؤية غير البون. النائب السابق فريد هيكل الخازن يكسر شيئاً من إرثه كلما تحرك، منشغلاً عن العمل السياسي والخدماتي بمشاكله الخاصة مع البلديات والأهالي المتضررين من المرامل والكسارات. أما النائب السابق فارس بويز فلا يعود من المياه إلى اليابسة إلا عند هبوب عاصفة تهدد سلامة اليخت. بينما تنشغل القوات اللبنانية بالخلافات التي تنشب بين الناشطين في مختلف البلدات على غرار ما حصل مع العونيين قبل ثلاث سنوات. ومن جهته بدا النصاب الكسرواني لحزب الكتائب مكتملاً على منصّة شيّدها الحزب قبل أيام لتكريم المسنين الذين تجاوزوا في انتمائهم لله والوطن والعائلة الخمسين عاماً. يبقى صهر الرئيس، وسام بارودي، الذي يعاني اليوم انقلاب سحره عليه. فبعد تسويق نفسه رجل الخدمات الأول في المنطقة، بات عرضة لشتائم كل مَن يعجز بارودي عن خدمته في توظيف ابنه النابغة في الناسا، وكل مَن يتأخر عن إرساله إلى مستشفيات باريس ليعالج من وجع الرأس، وكل مَن لا يدفع القصر الجمهوري عنهم فاتورة الكهرباء والمياه وميكانيك السيارة وأجور الـ«فالي باركينغ».

في المقابل، ترتفع معنويات العونيين لتبلغ مستوى لم تبلغه سابقاً، فيتوقف المسؤول الكسرواني في التيار الوطني الحر رولان خوري بداية عند محاولة خصوم التيار الإيحاء بأن العونيين تراجعوا نحو عشرين ألف صوت بين انتخابات 2005 و2009، فيما تؤكد مقارنة الأرقام أن اللائحة العونية نالت العدد نفسه من الأصوات تقريباً في الدورتين، وانخفض عدد الأصوات التي نالها العماد عون شخصياً لأن الاصطفاف السياسي والتعبئة والمال السياسي والتدخل الكهنوتي حالت دون تمكّن ناخبين كثر من شطب أحد المرشحين على لائحة 14 آذار ليضع اسم عون كما حصل عام 2005. وبالتالي أكد التيار، بحسب خوري، محافظته على كتلته الناخبة كاملة بين 2005 و2009 في كسروان. أما اليوم، فيعدّد خوري ستة عوامل رئيسية ترفع معنويات العونيين وتطمئنهم إلى الحسابات الكسروانية بغضّ النظر عمّا يحصل في المنطقة:

ــ أولاً، انتقال بكركي على المستوى الشخصي من موقع المعادي لعون إلى موقع أكثر قرباً منه.
ـــ ثانياً، انتقال بكركي على المستوى السياسي من موقع المحرّض على التفاهم مع حزب الله إلى موقع المؤمن بوجوب التفاهم مع الحزب.
ــ ثالثاً، تحوّل الرئيس ميشال سليمان من رئيس آتٍ تسعى العائلات الكسروانية الكبيرة مثل افرام وكلاسي والهوا لإرضائه، إلى رئيس ذاهب لا يغامر أحد بمرافقته في مشواره الأخير.
ـــ رابعاً، انتقال الواقع البلدي من نسبة 90% من المجالس البلدية معادية لعون عام 2009 إلى نحو 40% من المجالس البلدية عونية، ونحو 40% من المجالس البلدية تتواصل مع العونيين ونحو 20% فقط من المجالس البلدية معادية لعون.
ــ خامساً، تقدم العونيين (بحسب رولان خوري دائماً) كثيراً على صعيد الخدمات، فقد دخل مسؤول خدمات «الإصلاح والتغيير» المرشح المفترض للانتخابات المقبلة روجيه عازار إلى مختلف بلدات كسروان على صهوة آليات التزفيت ومارس العونيون الضغط اللازم على الوزير غازي العريضي ليقلّص حصة النائب السابق منصور البون من الزفت الذي كان يحصل عليه إلى أقل من 20%.

ــ سادساً، انتقال استخبارات الجيش من موقع معادٍ لعون في ظل قيادة الياس المر لوزارة الدفاع إلى موقع صديق لعون في ظل قيادة عضو تكتله فايز غصن لوزارة الدفاع وصديقه جان قهوجي للجيش.
أما الأهم، فهو إظهار عون نية حقيقية لإبدال بعض نوابه الكسروانيين الحاليين بآخرين جدد. فيلمح أحد النافذين في الرابية إلى نية الجنرال إبدال النائب نعمة الله أبي نصر برئيس بلدية جونية السابق جوان حبيش الذي أثبت في انتخابات بلدية جونية الأخيرة امتلاكه قوة ناخبة استثنائية مقارنة بجميع نواب عون، وإبدال النائبة جيلبرت زوين التي تعد الأقوى شعبياً بين نواب عون (لأسباب مجهولة عموماً) بالمرشح المفترض روجيه عازار. في ظل نكتة كسروانية تقول إن عون حقق معجزتين حتى الآن في كسروان: مرة حين أقام الموتى عبر إيصال جيلبرت زوين ويوسف خليل إلى المجلس النيابي، ومرة حين حمل الناخبين على إعادة انتخابهما. مع تأكيد كل المتابعين أن التغيير الأهم في لائحة عون والذي يسمح بطي صفحة كسروان الانتخابية يكون في ضم منصور البون إلى اللائحة. البون الذي يواظب على زراعة ألغام لا تنفجر لاحقاً إلا به. 

السابق
آلان عون: نتمنى أن يتوصّل السوريون إلى حلّ في ما بينهم من دون حرب أهلية
التالي
ميقاتـي بيـن الحارسين:صاحـب طريقـة طرابلسـية!