الحريري يصرّ على مواجهـة ميقـاتي في طرابلـس

يدرك سعد الحريري أن أي زعامة سنية لا يمكن لها أن تقوى وتتنامى من دون طرابلس والشمال، وربما سمع الحريري أن ثنائية الزعامة السنية القائمة عبر التاريخ اللبناني بين بيروت وطرابلس، كانت الغلبة فيها بشكل شبه دائم للعاصمة الثانية، وأكبر دليل على ذلك أن الشهيد رشيد كرامي هو أكثر الشخصيات السنية اللبنانية تشكيلا للحكومات.
ويعرف سعد الحريري حق المعرفة أن يوم 14 آذار قد بني على سنة طرابلس والشمال، وأن هذه المنطقة نصبته زعيما عندما منحته أكثرية نيابية في دورتين انتخابيتين متتاليتين عامي 2005 و2009، وتجاوبت معه الى أبعد الحدود في كل التحركات الشعبية التي ملأت الساحات في محطات عدة سابقة منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، خصوصا أن جمهور المناطق، ولأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية، أكثر اندفاعة وحماسة من جمهور العاصمة مهما بلغ انتماء هذا الأخير لأي زعيم سياسي، وبالتحديد الجمهور السني في طرابلس والشمال الذي يبلغ بحسب الاحصاءات نحو 47% من سنة لبنان.

لذلك لم يكن مستغربا أن يعلن سعد الحريري خلال دردشاته على موقع «تويتر» أنه سيزور طرابلس أولا، لدى عودته المرتقبة الى لبنان عشية ذكرى 14 شباط، حيث يبدو واضحا أن الحريري بدأ يحسب ألف حساب لما يجري في طرابلس اليوم، سواء من خلال النقاط الإيجابية التي يحققها الرئيس نجيب ميقاتي منذ تشكيل حكومته والتي نجح عبرها في الدخول الى ساحته ليرسي ثنائية سنية جديدة، أو من خلال التقارير التي تصله تباعا وتلخص له حالة التململ والاحباط في صفوف كوادره وأنصاره نتيجة إقفال باب الخدمات والمساعدات المالية، والاستمرار في إطلاق الوعود العرقوبية عند كل مناسبة واستحقاق، فضلا عن التخبط الحاصل في منسقية طرابلس وصراع النفوذ الدائر فيها والذي ينعكس سلبا على تيار المستقبل في المدينة ويؤدي الى مزيد من الخلافات بين قياداته.ويمكن القول إن حرص الحريري على تخصيص طرابلس بالاسم ووضعها على رأس برنامج زياراته لدى عودته المرتقبة ينطلق من أسباب عدة أبرزها:
أولا، الاعتراف الضمني بأن تيار المستقبل يعاني من أزمة حقيقية في العاصمة الثانية يضاعف من حدتها اليوم، وصول مقص قطع الأرزاق الى المؤسسات الزرقاء في طرابلس ليشمل 50% من العاملين فيها.
ثانيا، محاولة الحريري اللعب على وتر العاطفة الطرابلسية بهدف استرداد بعض من الزخم الذي فقده خلال فترة غيابه.
ثالثا، تأكيد سعد الحريري استمراره في المواجهة مع الرئيس نجيب ميقاتي وشريكيه الوزيرين محمد الصفدي وأحمد كرامي، ومعهما الوزيران فيصل كرامي ونقولا نحاس، وإصراره على نقل الصراع السياسي الى طرابلس بهدف تسجيل النقاط على خصومه في عقر دارهم، من دون الأخذ في الحسبان الأزمات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تعانيها المدينة، ومن دون الأخذ في الاعتبار المحطات السابقة التي اضطر فيها الحريري الى الاعتذار من شعب طرابلس وفي مقدمها «يوم الغضب» الشهير.
ويطرح تأكيد سعد الحريري زيارته طرابلس أولا سلسلة تساؤلات ضمن تياره وكوادره قبل الخصوم لجهة: هل ستترافق زيارته مع فتح «حنفية» المساعدات المالية والخدمات على أنواعها؟ كيف سيواجه من تم أو سيتم صرفهم من مؤسسات المستقبل في المدينة أو في منطقة الشمال؟ وما هي المبررات التي سيقدمها لهم؟.

وغير ذلك، ما هي القضية التي سيحملها في جعبته ليطرحها على جمهوره بعد أن سحب الرئيس نجيب ميقاتي من بين يديه أسلحة كثيره في مقدمها تمويل المحكمة الدولية، والحرص على الموظفين السنة في المؤسسات الأمنية والقضائية والادارية، والتمسك بصلاحيات رئاسة الحكومة والحفاظ على هيبتها؟ وهل سينجح ميقاتي في قطع الطريق عليه بالاعلان عن مزيد من الخطوات التنموية في طرابلس والشمال؟ وهل بدأ الصراع الفعلي لثنائية سنية مستجدة بين طرابلس وبيروت او طرابلس وصيدا.
على الأرجح، فإن سعد الحريري يعتقد أنه قادر على الدخول الى طرابلس في المرحلة المقبلة من بوابة الدعوة الى إسقاط النظام السوري، لكن المعطيات القائمة في المدينة تؤكد عدم رغبة أبناء طرابلس بالسير خلف هذا الشعار مع أي جهة سياسية، وهم أحجموا عن المشاركة في كل التحركات التي جرت خلال الفترة الماضية والتي كانت تقتصر فقط على منظميها وعلى النازحين، ليس حبا بالنظام السوري، وهم أكثر من ذاقوا مر وجوده العسكري على ارضهم لعقود من الزمن، بل على العكس فإن الأكثرية في طرابلس متعاطفة مع الثورة الشعبية في سوريا، لكنها نأت بنفسها طيلة أحد عشر شهرا وما تزال عن أن تكون طرفا في هذا الصراع أو أن تزج مدينتها فيه خصوصا أنها لم تعد قادرة على تحمل مزيد من التوترات السياسية منها والأمنية.
ولعل غياب المشاركة الطرابلسية في مهرجان «ربيع الاستقلال… خريف السلاح» كان أكبر دليل على ذلك. فهل حصلت مراجعة حقيقة في التيار الأزرق للمهرجان وهل اطلع عليها سعد الحريري؟
 

السابق
ما وراء التفجيرات؟
التالي
لقاء في بلدية صور تضامناً مع القوى الأمنية