قبيلة تخرج من عزلتها لتواجه عالماً متوحشاً

أمرهن الشرطي بالرقص فما كان على الفتيات العاريات من الأعلى إلا الطاعة. تناول السائح الكاميرا خاصته وبدأ بالتصوير، ثم التفت باتجاه فتاة أخرى عارية كرفيقاتها وتحمل في يدها كيساً من الحبوب، فإذا بالشرطي يأمرها بالرقص ايضاً. ضحكت، خجلت، ثم قفزت. فصفقت لها رفيقاتها وتمايلن معها وقفزن، والسائح لا يزال يصوّر.
هذا الفيديو هو ما يحلم به السياح كذكرى من زيارتهم لغابات جزر "اندامان" الواقعة في خليج البنغال والتابعة للهند. جمال الغابات هو مجرد عذر للرحلة لأن ما يهدف اليه السياح هو البحث عن "الجراوا"، القبيلة المنعزلة التي بدأت مؤخراً بخطواتها الأولية نحو التواصل مع العالم الخارجي.
أفراد قبيلة "الجراوا" من السكان الأصليين لجزر "اندامان". ويعتقد علماء الأنتروبولوجيا أن القبيلة تتحدر من بعض القبائل الأوائل التي غادرت افريقيا. وتعني كلمة "الجراوا" الغرباء او "العدائيين" في اللغة المندثرة لـ"الاندامان". ويصل عددهم الحالي الى 403 اشخاص فقط.
تتميز حياة "الجراوا" بالبساطة. فالرجال يصطادون الخنازير والسلاحف بالسهام، بينما تجمع النساء الفاكهة والعسل. لا يعبدون أي إله وعندما يموت احدهم يتركونه تحت شجرة ما الى ان يتحول الى هيكل عظمي فتعلّق عظامه على أجساد أفراد القبيلة لجلب الحظ اثناء الصيد.
يتميز أفرادها بالبراءة والصدق، وبسبب ذلك هم معرضون للاستغلال، ولذلك فإنهم يعيشون في محمية جنوبي الجزيرة. ونتيجة لعدم اختلاطهم بالعالم الخارجي، لم يتمكن العلماء من الفهم الكامل لخصوصياتهم المجتمعية والحضارية وتقاليدهم.
في عام 1998، اختارت قبيلة الـ"الجراوا" الخروج للمرة الاولى من قوقعتها والتخلي عن عدائها التاريخي تجاه الغرباء والانطلاق نحو الخارج بحثاً عن العلف والماشية. غير ان الاتصال مع العالم الخارجي، وتحديداً مع السياح، عرّض افراد القبيلة لأمراض الحصبة والنكاف (أبو كعب) والملاريا وإن أظهروا في السابق مناعة ضدها. كما انتهج بعضهم الآخر عادات "الغرباء" كالتدخين وشرب الكحول وحبوب "التنبول" (نوع معتدل من المنشطات).
تواجه قبيلة "الجراوا" في السنوات الأخيرة خطراً داهماً نتيجة شق طريق "الاندامان" الذي يمر عبر محميتهم. فبات افراد القبيلة معرضين للاعتداء والسخرية والإزعاج، وفي بعض الأحيان المعاملة كـ"حيوانات الحدائق".
بالرغم من وجود لافتة على مدخل الطريق تمنع فيها السلطات الهندية التصوير والتواصل او حتى إزعاج افراد القبيلة، تبدأ الكاميرات بالتصوير بمجرد فتح مدخل الطريق ويبدأ السياح برمي الموز والبسكويت لأفراد القبيلة المتوقفين الى جانب الطريق كما لو انهم يتعاملون مع حيوانات في حديقة "سفاري".
يعتقد افراد الـ"جراوا" أن عناصر الشرطة يقومون بحمايتهم من "الغرباء"، غير ان هذا الشرطي الذي كان يأمر الفتيات بالرقص قد حصل على رشوة بقيمة 300 دولار ليجبر الفتيات على الرقص، مذكراً إياهن بأنه قد "زودهن بالطعام".
ويقول رئيس تحرير صحيفة "اندامان كرونيكل" دينيس جايلز إن "الشرطة تستغل افراد القبيلة. بعد ان علموهم التسول، يقوم عناصر الشرطة بأخذ مال التسول ويقدمون التبغ والطعام للـ"الجراوا" في المقابل. كما شهدنا حالات كثيرة انجبت فيها نساء من الـ"الجراوا" من غرباء. وبما ان القبيلة لا تقبل بهم، كان الاطفال المولودون حديثاً، يقتلون".
يعترف مفتش الشرطة في جنوب جزر "اندامان" اس بي تياجي ان عناصر الشرطة ينتهكون في بعض الأحيان القوانين ولكننا نعاقب المسؤولين عن مخالفات كهذه لدى معرفتنا بها".
تعتقد جمعية "سورفايفل" العالمية لحقوق الانسان أن إغلاق الطريق المؤدية الى محمية الـ"الجراوا" تسمح للقبيلة باتخاذ قرار الاحتكاك مع الخارج او عدمه.  

السابق
جعجع: لا يمكننا الوصول الى دولة فعلية وحقيقية الا اذا كان القرار الاستراتيجي في يدها
التالي
نبات يأكل لحوماً!