2012 نهاية مشروعَي الممانعة وإسرائيل!

من نافل القول إنّ العام 2011 كانَ عاماً استثنائيّاً، إذ انطلق في خلاله مسارٌ تاريخيّ نحو التغيير الديموقراطيّ في المنطقة العربيّة التي تشهد أوّل انعطافة استراتيجيّة من نوعها منذ ستّة عقود.

وينصرمُ العام 2011 على مشهد من صورتَين إجماليتين.

الصورة الأولى تظهّر حقيقة انتقال العديد من شعوب المنطقة، بالتضحيات والدماء، إلى مرحلة جديدة تطوي معها صفحات سوداء من الماضي وتحمل عناوين الحرّية والكرامة والديموقراطيّة والدولة المدنيّة. وقد حقّقت الشعوب في السنة الماضية إنجازات، صحيحٌ أنّه لا يمكن القول إنّها نهائيّة وتامّة لأنّ الثورات في التاريخ لا تؤتي ثمارها بـ “ضربة واحدة” وتجتاز ممرّات معقّدة وعسيرة، لكنّها إنجازات تنبئ بأنّ الشعوب أخذت مصائرها بأيديها مفتتحةً عصراً جديداً. وهذا ما جرى وما يجري في تونس ومصر وليبيا واليمن بالرغم من الفوارق بين حالة وأخرى… وهذا ما يتمّ بصيغ مختلفة في عدد من دول الجزيرة والخليج العربيّين، وصولاً إلى انتقال دول الخليج من “التعاون” إلى “الاتّحاد”.

أمّا الصورة الثانية فتظهّر عداء محور في ذاته، محور ما يسمّى “الممانعة” للتحوّلات والتغيير والعصر ومواجهته لهذه الأمور جميعاً… إلى حين. ذلك أنّ هذا المحور يواجه وهو مأزوم، يواجهُ وهو في أيّامه الأخيرة.

لا جديدَ في القول إنّ إيران في ذروة أزمتها. أزمةٌ سياسيّة – أيديولوجيّة داخل النظام الحاكم. أزمةٌ متواصلة منذ عامين ونصف العام بين النظام ومعارضته الإصلاحيّة. أزمة اقتصاديّة – إجتماعيّة عميقة يعاني منها الشعب نتيجةً لسياسات النظام. أزمةُ انكشاف إيران ودورها أمام جوارها العربيّ. أزمةُ عزلة إقليميّة – دوليّة أنتجها المشروع النووي من جهة والمشروع التوسّعي من جهة ثانية. كلّ ذلك لا جديدَ فيه. بيدَ أنّ الجديد هو أنّ إيران التي روّجت لانتصارها بالانسحاب الأميركيّ من العراق تقود العراق عبر حلفائها وفي مقدّمهم نوري المالكي نحوَ حرب طائفيّة، نحوَ مزيد من أنهار الدماء، نحوَ التدمير.. حتىّ لَيُمكن الجزم بأنّ “إيران ما دخلت بيتاً إلّا خرّبته”.

تقود إيران العراق في اتّجاه مغاير تماماً لاتّجاه المنطقة لتطحنه في فتنة شيعيّة – سنّية. وينساق المالكي معها مستمرئاً السلطة على حساب البلد ودماء شعبه.

وفي الصورة الثانية نفسها أيضاً يخوض نظام الأسد “الممانع” معركة البقاء حرباً عسكريّة – أمنيّة وحرباً مذهبيّة طاحنةً… من جانب واحد، غير آبه لدماء شعبه ولوحدة سوريا، تعاونُه إيران التي استتبعته منذ خروجه من لبنان في العام 2005.

في هذه الصورة الثانية إذاً، يمضي النظامان الإيرانيّ والسوريّ عكس التاريخ إلى حتفهما… المؤجّل إلى العام 2012. وكيف لا يمضيان إلى حتفهما وسط الموازين الداخليّة والخارجيّة التي تصنعها التحوّلات؟

لكن، وكي تكتمل الصورة الثانية، لا مفرّ من الإشارة إلى أنّ “الممانعة” على خطّ نظام طهران – نظام دمشق ليست وحدها من يعادي التحوّلات العربيّة، إذ تضيف إسرائيل نفسها إلى المحور مثبتة بذلك التواطؤ “التاريخيّ” بينهما.

ليسَ الأكثر أهمّية هنا عداء إسرائيل للثورة العربيّة في هذا البلد العربيّ أو ذاك، بل واقع أنّ إسرائيل تعتقد أنّه لا يزال في وسعها، وسط كلّ هذه التطوّرات والتحوّلات، أن تحجز الاستقلال الوطني الفلسطيني إلى “الأبد” وأن تمنع على الفلسطينيّين دولتهم وحرّيتهم ومكانهم بين شعوب العالم.

إلامَ ترمي كلّ المقدّمات الآنفة؟

بين الصورتين في المشهد الذي يقفل عام 2011 عليه، لا يخفى أنّ الصورة الأولى هي الغالبة، صورة المنطقة تدخلُ في العصر والتاريخ.

ومن الصورتَين اللتين لا يمكن أن تبقيا متساكنتين أمداً طويلاً، لا مفرّ من استنتاج أنّ العام المقبل 2012 سيشهد بلا شكّ ومنذ بداياته انتصاراً للثورة السوريّة وربيعاً عراقيّاً وآخر إيرانيّاً… والربيع الفلسطيني الذي بدأ بالفعل في الشهور الأخيرة من 2011 المنصرم سيزهر دولة فلسطينيّة. والثورات العربيّة ستفرضُ نفسها على العالم بأسره… حتىّ على الذين دعموها. أي إنّ التغيير الذي تحدثه في المنطقة ذو آثار عامّة في العالم كلّه.

في 2012 سوف ينهار “القديم” ويسلك “الجديد” دروبه المنطقيّة.

وفي ختام 2011 ومطلع 2012، أمام لبنان فرصة تاريخيّة ليس فقط لـ “يتأثّر” بما يجري عربيّاً، بل ليؤثّر في المنطقة. هي فرصةٌ لإنقاذ العيش المشترك والشراكة ولاستعادة الدولة والعمليّة السياسيّة الديموقراطيّة الطبيعيّة. فرصةٌ لأن يكون لبنان نموذجاً عربيّاً… لسوريّا وللعراق بالتحديد.

ولذلك فإنّ السؤال مشروعٌ: لماذا على “حزب الله” أن يكون نوري المالكي إذا كان خيارُ العيش المشترك والطائف والدولة المدنيّة والديموقراطيّة خياراً مُتاحاً أمام اللبنانيّين كلّهم؟ وهل فعلاً لا يستطيع الحزب إلّا أن يكون “المالكي لبنان”؟.

.. و2012 عامٌ لـ”جديد لبنان” أيضاً! 

السابق
قراصنة أتراك
التالي
المعارضة السورية ..مراحل الفشل