هل نشهد عودة طاولة الحوار والوفاق؟

ودّع رئيسا الجمهورية والحكومة السنة الحالية بعرض تفصيلي قدماه في مستهل جلسة مجلس الوزراء للانجازات التي حققتها هذه الحكومة في الأشهر الستة التي مضت على وجودها في الحكم كذلك الاخفاقات التي مرّت بها في هذه الفترة·
وكان البارز في عرض رئيس الجمهورية والحكومة ارتياحهما لنجاح الحكومة في تجاوز الأزمات المتعاقبة التي تمر بها البلاد، والمحافظة على الاستقرار الامني الذي كان الشعار الذي رفعه رئيس الحكومة عندما أسند اليه رئيس الجمهورية مهمة تشكيل الحكومة، وكذلك الامر بالنسبة للسياسة التي اعتمدت حيال ما جرى ويجري في العالم العربي البعيد والقريب وهي سياسة النأي بالنفس، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية التي شهدت وتشهد انتفاضات وثورات شعبية، يسقط فيها يومياً عشرات القتلى من هنا وهناك، واعتبر الرئيسان ان اعتماد مثل هذه السياسة عين الصواب والحكمة لان لبنان بحكم مكوناته وإنقساماته وارتباطات قياداته السياسية، لا يستطيع الا ان يتخذ هذا الموقف وإلا تعرض لإنتكاسات خطيرة على استقراره وعلى سلامه الداخلي·
واتفق الرئيسان في مداخلتيهما على ان ما انجزته الحكومة على الصعيد الداخلي، لم يكن على مستوى الآمال التي علقت عليها، وعزيا الامر الى ما يحصل في المنطقة من جهة، والى التطورات الداخلية المتسارعة من جهة ثانية من دون ان يتطرق احدهما إلى حالة اللاإنسجام داخل مجلس الوزراء والتي عبّرت عن نفسها في محطات كثيرة ليس آخرها ملف تصحيح الاجور، لكن الرئيسين اتفقا على ان الحكومة حققت على الصعيد الداخلي بالاضافة إلى المحافظة على الاستقرار والامن بعض الانجازات، ان على صعيد التعيينات التي تحقق بعضها مثل إملاء الشواغر في مديرية الامن العام، ورئاسة الجمهورية ومجلس قيادة قوى الامن الداخلي، أم على صعيد كثافة الجلسات التي عقدها مجلس الوزراء وهي بمعدل اكثر من ست جلسات في الشهر الواحد، الى الموافقة على اكثر من ألف وخمسمائة مشروع وبند أدرجت على جداول جلسات مجلس الوزراء في الأشهر الستة الماضية·

لكن الرئيسين تجنبا في هذا السياق التطرق إلى الخلافات التي تعصف بالحكومة جراء التباينات في الرأي حيال القضايا الحساسة التي تطرق اليها مجلس الوزراء وكلف تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان واضطرار رئيسها إلى التهديد بالاستقالة قبل ان يكتشف مع رئيس مجلس النواب الحل السحري لهذه المشكلة والذي اتى من جمعية المصارف كهبة منها إلى الهيئة العليا للإغاثة التابعة لرئاسة مجلس الوزراء·

هكذا كان واقع الحكومة في السنة التي يودعها اللبنانيون، نزاع بين الاستمرار والسقوط، وبين الاقدام والاحجام، وبين اللامبالاة، ومحاولات التصدي للأحداث دون اي جدوى، لكن الرئيسين وعدا في آخر جلسة لمجلس الوزراء في السنة الحالية ان لا يبقى الوضع على حاله في السنة الجديدة، وانما هناك نية وتصميماً لتفعيل عمل الحكومة، في كل المجالات، في مجال الامن كما في مجال الادارة وملء الشواغر التي حالت الخلافات بين اعضائها دون التقدم في خطوات كافية على هذا الصعيد، مع اعتراف الرئيسين باستمرار الخلافات داخل الحكومة والتي قد تشكل عائقاً دون اتمام التعيينات مع وعد من الرئيسين بأن يشهد مطلع العام الجديد، حدثاً طالما ترقبه اللبنانيون طوال العام المنصرم، وهو العودة إلى طاولة الحوار الوطني التي جمدتها الاكثرية الجديدة التي تمسك اليوم بالحكم وتدير شؤون البلاد والعباد بذريعة ان الحكومة السابقة لم تتجاوب معها في احالة ملف شهود الزور إلى المجلس العدلي، وبذرائع أخرى كشفت الأيام اللاحقة انها كانت مجرّد ذرائع للتخلص من حكومة الأكثرية السابقة برئاسة سعد الحريري واستلام الحكم ولو بقوة السلاح تحسباً لاحتمالات كانت غير واضحة في المنطقة وتوضحت في ما بعد بتلك الثورات الشعبية نشداناً للديمقراطية التعددية والحرية والكرامة التي تفجرت في تونس وتمددت لتصل إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا·

وقد شدّد الرئيسان سليمان وميقاتي على ضرورة العودة إلى طاولة الحوار الوطني من أجل وصول اللبنانيين إلى تفاهمات حول الاستراتيجية الدفاعية ومن ضمنها سلاح <حزب الله> وكيفية استخدام هذا السلاح ومتى وأين كما جاء في تصريحات رئيس الجمهورية أثناء زيارته الأسبوع المنصرم إلى الجنوب اللبناني لتفقد الجيش المنتشر هناك وقوات اليونيفل التي تعمل على تنفيذ القرار 1701 الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي بعد حرب الثاني عشر من تموز العام 2006·

وفي هذا المجال، يأمل الرئيسان ان تكون الظروف في السنة الجديدة اكثر ملاءمة لإعادة احياء طاولة الحوار الوطني خصوصاً وانهما لمسا في الأسابيع الأخيرة من العام الذي يعد أيامه الأخيرة، كلاماً من كل الأطراف السياسية يُشجّع على اقدامهما على مثل هذه الخطوة مع مطلع العام الجديد· وثمة من يرجح أن يبدأ رئيس الجمهورية بالتعاون مع رئيس الحكومة فور الانتهاء من عطلة رأس السنة سلسلة مشاورات مع القيادات السياسية للعودة السريعة إلى طاولة الحوار تحت العنوان العريض الذي رفعه رئيس الجمهورية الاستراتيجية الدفاعية وكيفية استخدام سلاح المقاومة متى وأين ولماذا اضافة إلى تنفيذ ما اتفق عليه في اجتماعات الهيئة السابقة لجهة نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وتنظيمه داخلها باشراف الدولة، والانتقال إلى البحث في كيفية جمع السلاح الخفيف والمتوسط من العاصمة بيروت ومن كل المناطق اللبنانية بالتوافق بين جميع المكونات اللبنانية·

الرئيسان سليمان وميقاتي سجلا في آخر جلسة لمجلس الوزراء في العام 2011 ارتياحهما لمسار وعمل حكومة كلنا للوطن··· كلنا للعمل لكنهما أملا في أن يكون العام الجديد عام التفعيل وعام الوفاق الوطني·

السابق
تشييع والد الشيخ قاووق في عبا
التالي
تمدد حزب الله عقارياً في الإقليم والشوف.. يطرح علامات استفهام عن الاسباب؟!