الجامعة العربية بين التباطؤ والتواطؤ

تعلقت آمال السوريين بنتائج العقوبات التي فرضتها الجامعة العربية على النظام السوري الأسبوع المنصرم، وكانت التوقعات تقفز إيجابياً إلى حدود تحويل الملف السوري إلى مجلس الأمن لاتخاذ ما يلزم لحماية المواطنين المدنيين والعزل الذين تسفك دماؤهم يومياً على أسفلت الشارع السوري بوحشية غير مسبوقة على مر التاريخ، لكن فتح باب المهل العربية مرة أخرى أصاب هذه الآمال في مقتل، بعد أن شرعت الجامعة العربية بابها الموارب أمام النظام السوري على مصراعيه ليعيد هذا النظام المتمرس بفنون المراوغة والمهاترة والتسويف اللعب على حبل الوقت والمماطلة، وإشغال المجتمع العربي والدولي بتفاصيل جدلية لا طائل من طرحها سوى تمديد أمد الحصاد الدموي للشعب السوري الثائر.

لقد لجأ الشعب السوري إلى البيت العربي أولاً لحل مشكلته مع النظام السوري المتعسف في استخدام القوة، لعل القائمين على هذا البيت يستطيعون أن يجبروا الأسد على إعادة النظر في سياسته القمعية وإيقاف نهر الدم المتدفق في المدن السورية الثائرة، لكن يبدو أن هذا البيت مهتز الأركان أصلاً ولا يقف على أرضية صلبة تمكنه من تنفيذ ما فرضه من عقوبات على النظام السوري الفاشي، والذي على ما يبدو يدرك نقاط الضعف في أساسيات هذا البيت فيضغط عليها لتهديم الهيكل فوق رؤوس أصحابه.
فقد تعاملت الجامعة العربية مع الملف السوري الساخن ببرود شديد وتباطؤ مشكوك بتعمده، بإعطاء النظام الفسح الزمنية المتتالية التي استغلها لتفعيل عملياته القمعية الداخلية، واستقطاب المساعدات العسكرية والبشرية الخارجية، ومحاولة فرض هيمنته مجدداً على الشعب السوري بمزيد من العمليات العسكرية المدمرة والقاتلة، واتباع سياسة الأرض المحروقة في المدن الثائرة، ولم تستطع الجامعة العربية في تعاملها مع الأزمة السورية أن تتحرك بالسرعة المتناسبة مع هول الأحداث ومجرياتها، إما لأنها لم تستطع كسر قالب العمل العربي البيروقراطي المتعارف عليه في حل الأزمات العربية منذ تأسيس الجامعة العربية، أو فشلها بأن تمثل الشعوب العربية في زمن الربيع العربي بدل أن تكون ممثلة لأنظمة عربية آيلة للسقوط ولا تناسب المرحلة التاريخية المقبلة التي ستكون فيها كلمة الشعوب هي العليا.
 و كان لهذا التباطؤ دور سلبي في إدارة دفة الأحداث على الساحة السورية، فالنظام أصبح أكثر وحشية ودموية واستقطاباً لعناصر خارجية موالية لعقيدة دينية ومشروع إقليمي من المخطط له أن يمر عبر الأراضي السورية، وهو ما وسع دائرة العنف ورفع عدد الضحايا والشهداء، كما أن هذا التباطؤ دفع الشعب السوري إلى فقدان الثقة بقدرة الجامعة العربية على ردع النظام الأسدي المتمترس وراء آلياته العسكرية وحلفائه الدوليين، ورغم سيل العقوبات العربية التي انهمرت على هذا النظام إلا أنها لم تؤثر عملياً ذلك التأثير المنتظر منها لأنها لم تكن ملزمة للدول العربية من جهة كما لم تحرص هذه الدول على تنفيذها من جهة أخرى، وهو ما يدفع الأمور باتجاه التدويل الذي يحرص الشعب السوري رغم كل آلامه أن يكون آخر الدواء لجراحه النازفة.
وبإعطاء النظام السوري المهلة الأخيرة لتوقيع البروتوكول بدأت تفوح في الأجواء السورية رائحة تواطؤ عربي مع نظام الأسد على الشعب السوري، وهو ما نشر حالة من الاحباط بين صفوف السوريين بمختلف مستوياتهم ابتداء من رجل الشارع البسيط وانتهاء بالمثقف والناشط والمعارض السياسي، وألح على البال الكثير من الأسئلة المشروعة حول دور الجامعة العربية الحقيقي فيما يحصل على الأرض السورية، وعلى مدى اختراق نظام بشار الأسد لمواقف الكثير من الدول العربية التي تتذبذب في مواقفها وتغيرها تبعاً لتقاطع مصالحها ونوع الحكم فيها مع النظام السوري.

كما أصبح من المؤكد أن الجامعة العربية لا تستطيع الخروج من متاهات المهل التي تعودت أن تعطيها للنظام السوري، في الوقت نفسه الذي ترفض فيه طلباً أوروبياً بتحويل الملف السوري لمجلس الأمن، هذا التلاعب بمصير الشعب السوري أكد أن تواطؤاً عربياً يحدث وراء الكواليس وأن وراء الأكمة ما وراءها، ويبدو أن التدخل العربي منذ اليوم الأول لم يكن سوى ضوء أخضر يسمح للنظام بمحاولة قمع الثورة السورية قبل أن تحقق هدفها بإسقاط النظام ومحاكمة النظام وعصابته، وقد أدرك الشعب السوري هذه الحقيقة منذ المهلة الاولى التي أعطيت للنظام، لكنه كان يعلل النفس بآمال كبيرة بإيجاد حل عربي للأزمة الراهنة دون الاضطرار إلى التدخل الدولي، لكن المهلة الأخيرة تحولت من قشة يتعلق بها الغريق إلى القشة التي قصمت ظهر البعير، وضيقت فسحة الامل للدرجة التي أصبحت المطالبة بالتدخل الدولي هو الحل الوحيد لإنقاذ الشعب السوري من براثن ذئاب النظام رغم ما لهذا التدخل من مخاطر وسلبيات.

لقد فقدت الجامعة العربية مصداقيتها في أعين السوريين، وأصبحت تشكل عبئا ثقيلاً على عاتق الملف السوري، فهل تحافظ على شعرة معاوية بينها وبين الشعب السوري، وتعلن تحرير ملفه من رتابتها، وتنقل الكرة إلى الملعب الدولي لعل هدف الثورة الغالي يتحقق؟  

السابق
تحركات اسرائيلية كثيفة على الحدود في القطاع الشرقي
التالي
هل يدفع لبنان فاتورة الربيع السوري··؟