الشعب السوري واحد

صديق عزيز هاتفني معاتباًَ بشأن ما نكتب هنا، حول الأحداث في سورية. هو يردد رواية النظام، بأن هناك مؤامرة وتدخلات أجنبية، ومخططاً تقسيمياً، وشُبهة عمالة للأجنبي. يستشهد بتصريحات أميركية مؤيدة لثورة السوريين، لكي يؤسس الحكم بصدق رواية الفتية الحاكمين، الغارقين في دم شعبهم.

نفترض أن هناك تأييداً أجنبياً للمعارضة في سورية، علماً بأن هذا التأييد هو نوع من الرياء، ولا يؤثر إيجاباً في تقليل عدد إخواننا السوريين الذين يُذبحون في كل يوم؛ ألا يحق أن تساءل أيهما أسوأ: الود الكاذب الذي تظهره أميركا لثورة الشعب السوري، أم الود الصادق الذي دأب النظام الحاكم على إظهاره للأميركيين، عندما ذهب الى لبنان ليمنع قيام نظام وطني لا طائفي في السبعينيات، وعندما ذبح أهلنا في تل الزعتر في العقد نفسه، وعندما دفع حركة أمل لذبح أهلنا في مخيمات بيروت في منتصف الثمانينيات، وعندما ذهب الى «حفر الباطن» ليقاتل ضد العراق في التسعينيات، وعندما أعاد من عند الحدود، أنجال الشهيد صدام حسين وتحالف مع جماعة أميركا هناك، وعندما ظل يصلب أهلنا الهاربين من الذبح في العراق، لسنوات في الصحراء، لتنهش لحمهم الكلاب الضالة، وعندما حافظ على هدوء الجبهات، وعندما وعندما؟!
بالتأكيد إن الود الكاذب، الذي جاء لثورة السوريين لا يعيبهم، أما الود الذاهب الى الأميركيين هو المُعيب؟ وعلى أية معايير يؤسس بعض الناس مواقفهم؟

الأميركيون وسواهم، يعرفون أن النظام الفاقد للجدارة والصلاحية سيسقط، وبالتالي هم يحاولون خلق مناخ من الود، مع القوى الرافضة للاستبداد عندما تحكم، ومن أجل ذلك هم مستعدون لتخليق أجواء مواتية للشعوب المصممة على التغيير، وخياً لأجواء تصالحية معها. إن هذه هي المعادلة!
أما القول بأن ثورة السوريين مُخطط لها، وملعوبة استعمارياً؛ فهو قول ساذج بامتياز، لأنه ينكر وجود حجم من الاستبداد والإجرام من شأنه تفجير غضب النائمين في القبور، وليس الأحياء المأزومين والمعذبين وحسب. ومن المؤسف أن ينعزل أي فلسطيني عن واقع الشعوب الشقيقة، بينما هو الذي ما زال في قلب مظلمته. 
الصديق الذي هاتفني، يتحدث من غزة، ومن البقعة التي يسقط فيها، في هذه الأثناء، شهداء بنيران إسرائيلية. لدينا عدد من الشهداء خلال هذا الأسبوع لم يصل الى عدد الذين يسقطون في سورية في يوم واحد. فإن كان من يرى بأم عينه آثار الموت على الناس وعلى ذوي الضحايا، وعلى السيكولوجية الجمعية للفلسطينيين في محيط الموت، لا يبالي بذبح نحو خمسين مواطناً سورياً مع نهاية كل يوم؛ من ذا الذي سيُقدّر حجم الفاجعة التي يتعرض لها السوريون؟!
السوريون إخوتنا، ومن المفترض أن نكون وإياهم شعباً واحداً. فقد شاركونا في نضالنا الوطني منذ أيامه الأولى، وكان رواد مرحلة الاستقلال يلهجون باسم فلسطين وماتوا على أمنيات شعبها. بل إن بعض رموز كفاحنا سوريون كالشيخ القسام وسواه. لذا من النكران أن نخذلهم حتى على مستوى آرائنا. أما القول بأن هؤلاء الفتية الحاكمين هم نقيض التقسيم والحرب الأهلية والنعرات وضمانة الوحدة والشرف القومي، بشفاعة أنهم من سلالة الفيلسوف حافظ الأسد؛ فهو قول مردود، إن لم يكن لأن هؤلاء هم صناع التباغض في المجتمع ومختلقو التمييز الطائفي، هم وأبوهم أو كبيرهم؛ ليكن لأن هذا الكبير الفيلسوف الذي كان يلغ في دم السوريين واللبنانيين والفلسطينيين، ليست له مأثرة، سوى القفز من رتبة رائد الى رتبة لواء ثم الى رتبة فريق، خلال ثلاثة أشهر، بعد أن استقوى العسكريون على حزبهم القومي، الذي اتخذوه مطية لبلوغ أهدافهم الخاصة.

عيب أن يكون الشعب قاصراً في تقديرات وتوقعات أي إنسان، وأن يكون السوريون غير جديرين بحماية وحدة بلادهم، فيما هم ينشدون الحرية لأنفسهم. وعيب أن نتجاهل طبائع النظام الذي يقتل لاستكمال ديكورات دعايته المتهافتة التي يتهم بها الآخرين بالقتل، فيعرض جثث ضحاياه وكأنها جثث ضحايا خصومه، فنصدق أن الشعب السوري يقتل نفسه على الهوية الطائفية. وهذا لا يمنع وجود اختراقات وعيوب ورعونة تصاحب كل انفجار شعبي لا يسيطر تماماً على ردود أفعال الناس كلها. إن القهر والموت والاستهتار بالنفس البشرية، هي العوامل التي أوصلت حفنة الآثمين الذين ربما يتواجدون بين صفوف الشعب الثائر، الى آثامهم. أما الطابع العام للثورة، فهو مشبع بروح الهتاف: الشعب السوري واحد!  

السابق
غليون والوعي الريفي
التالي
أطفال النبطية في مسرح تفاعلي