محطات من كربلاء

أيقتل ظمآنا حسين بكربلاء
وفي كل عضو من أنامله بحر
للشاعر ابن العرندس
«عندكم تجربة ثورية قائدها الحسين وهي تجربة إنسانية فذة وتأتون إلينا لتأخذوا التجارب!». الزعيم الصيني ماوتسي تونغ متحدثا لأحد الزعماء العرب.
هي ساعة في ظهيرة يوم عاشوراء في بقعة من أرض كربلاء تردد صدى أحداثها لتطرق الآذان على مر العصور والدهور، هي ساعة من الحيوية والقوة التي حركت عددا غير محدود من الثورات ضد الظلم والطغيان، وهي ساعة من الرقة والرحمة التي أبكت الأرض والسماء.
إن ساعات الزمن تتزاحم عبر الحقب الطويلة، ولكن تبقى ساعة الظهيرة في عاشوراء طويلة تنعكس صورها في كل ساعة وكل يومين لذلك يصعب على قلم متواضع وأسطر محدودة أن تحيط ولو بجزء يسير من هذه الساعة، لذلك فما على المجتهد إلا بذل جهده للوقوف على بضع محطات في هذه الساعة العظيمة لأخذ الدروس والعبر منها.

في ظلمة الليل وبعيدا عن الخيام يسير الامام الحسين، يحرك سيفه يمنة ويسرة، يلتفت فيرى نافع بن هلال البجلي يسير خلفه، يسأله نافع ما تصنع يا ابن رسول الله في الليل بعيدا عن الخيام فيجيبه الحسين أزيل الأشواك وحسك السعدان، فغداة غد تحرق الخيام فتفر الأطفال والنساء وإني اخاف أن تصيبهم الأشواك فتؤذيهم. رحمة وصدر كبير ليس له حدود، هو حريص صاحب القلب الكبير بعد مقتله على سلامة الأطفال والنساء لكن ليس الأمر كذلك فقط، ففي صبيحة عاشوراء ينظر الى جيوش الأعداء الذين جاؤوا لقتله ويبكي، يسأله أصحابه ما يبكيك يا ابن رسول الله، يقول أبكي على هؤلاء القوم فإنهم يدخلون النار بسببي. هكذا تتجلى صور الإنسانية وصور السماحة الإسلامية فهو مضطر للقتال من أجل الحق، لكن قلبه رحيم يبكي حتى على مصير أعدائه وخصومه.العباس بن علي بن أبي طالب أخ الحسين أمه فاطمة بنت حزام الكلابية، يسمى قمر العشيرة، فارس من فرسان بني هاشم يكون آخر الأنصار في معسكر الحسين وهو حامل لواءه تؤذيه أصوات الأطفال والنساء وهم ينادون «العطش العطش» فيستأذن أخاه الحسين للقتال ويعد ابنة أخيه سكينة بالماء، قبره بعيد عن قبر الحسين وقبور أنصاره فقد اخترق معسكر الأعداء وتوغل بين الكتائب حتى كشف الخصوم عن مشرعة الماء، مد يده ليشرب الماء لكن سرعان ما فض الماء من يده ولو أن كبده كجمرة لظى من شدة الضمأ بعد أن تذكر عطش أخيه الحسين، إنه وفاء الأخ انه وفاء العباس، وعندما أصاب سهم القربة وأهرق منها الماء وأثخنته الجراح وقطعت يداه وقف حائرا فلا كفين فيقاتل بهما ولا ماء فيسقي النساء والأطفال. قبل أن تفيض روحه أبى أن يحمله الحسين للمخيم لأنه يستحي أن يرى سكينة وقد وعدها بالماء، لذلك بقي قبر العباس بعيدا عن قبر أخيه وقبور الشهداء حاملا معه دلالات الوفاء والتفاني.

بعد مقتل الحسين تأتي الأخت الوفية المفجوعة الكفيلة بالأطفال المروعين والنساء الثكلى وقد حرقت خيامهن، في هذه اللحظات الصعبة التي تهد الجبال وتزلزل قلوب الشجعان من الرجال، تأتي زينب لجسد أخيها الحسين وترفع طرف من الجسد المبضع بالسيوف، وتتوجه نحو السماء بأن هذه الدماء الطاهرة لا تسيل إلا لغاية عظيمة فتقول «اللهم تقبل منا هذا القربان فداء لوجهك الكريم».. نعم فكل هذه التضحيات والبذل في الدماء الطاهرة هو لوجه الله عز وجل.
نعم كربلاء تجمع ولا تفرق، هي تجمع كل أصحاب المبادئ الإسلامية الإنسانية، وتجمع المعاني الطيبة وتظهر صفاء الحق ونصاعته من رحمة بالأطفال والنساء ورحمة حتى بالأعداء، إلى مبادئ عدم البدء بالقتال إلى مبدأ التحاور مع الخصوم حتى قبل المعركة، كل هذه المبادئ الخيرة تجلت في معسكر الحسين في يوم عاشوراء… أمام ذلك ظهرت كم هي قبيحة ومنفرة الانتهازية وانعدام الأفق التي قادت إلى تجرؤ الأعداء حتى على أجساد القتلى فدهستهم بسنابك الخيل وحرقت الخيام وقتلت حتى الأطفال الرضع.

هي كربلاء، وهو يوم عاشوراء، على عظمة المصيبة فيه لكنه يبقى محطة سلوى ومواساة، فكل من عذب وشرد من أجل الحق يتذكر حرم الرسول ونساء الدوحة الهاشمية وهم يساقون سبايا من بلد إلى بلد من أجل كلمة الحق، هي سلوى لكل غريب في طريق الحق المليء بالأشواك والتحديات وهو يتذكر أن نساء آل رسول الله وهن حرم الرسالة يدار بهن في البلدان وينادى عليهن سبايا الخوارج. «إنا لله وإنا إليه راجعون» من مصيبة ما أعظمها.  

السابق
اللواء: ميقاتي يخرج من بين الألغام: لا منتصر ولا منهزم ولا تسليم بإتهام أشخاص
التالي
إجراءات الطلاق