تغييب العقل

هل يوجد فعل للعقل العربي في حركة الثورات والمعارضات، في ما يسمى بـ "الربيع العربي" الذي ظهر يباسه باكراً؟ وهل يظهر هذا العقل في الأنظمة العربية المحرّكة والداعمة لهذه الحركات؟
العقل العربي المحدّد لمصالح المجتمعات العربية وأهدافها لا يمكن تلمّس فعله في الاستسلام لمصالح الغرب ومخططاته. لا وجود لعقل غير مقاوم لأخطار الخارج وغير قادر على تحديد المصالح الأساسية لمجتمعه وتعيينها.
أين هذا العقل على مستوى الأنظمة العربية وعلى مستوى الحركات والأحزاب والفاعليات السياسية؟ هل نجد العقل في ثورات من دون ايديولوجيات ومن دون أفكار و برامج ثورية ؟ هل يمكن أن نراه في قادة تم تصنيعهم وتلميعهم وترتيبهم في الغرب الاستعماري؟

ركبّت أميركا والدول التابعة لها في الخليج العربي وتركيا مجالس انتقالية جمعت فيها ما يتعذر جمعه من معارضات متباينة ومتناقضة، من أقصى التطرف الإسلامي الى أقصى التطرف الليبرالي والماركسي.
أي عقل استطاع تحقيق هذا الانجاز؟ هل هو العقل السياسي الأميركي أم العقل السياسي العربي؟!
هل العقل السياسي القطري أم الإماراتي أم السعودي أم التركي هو الذي عيّن المصالح وحدّد الأهداف لما يسمى بـ"ثورات" ورسم معالم الطريق للمحتجين والمعارضين؟ وهل هذا العقل هو الذي وضع الاستراتيجية الأميركية – الصهيونية للمنطقة العربية ؟!  كتب برهان غليون وانتقد، طوال عقود من السنين، الفكر الديني السلفي والإمبريالية والاستعمار. بأي منطق يلتقي مع السلفيين والمتطرّفين، وبأي عقل يفاوض الاستعماريين والامبرياليين ويجلس في أحضانهم؟ وبأي عقل تلتقي الحركات الإسلامية مع الأميركيين؟
من الواضح أن العقل السياسي العربي كما يظهر في سلوك الغالبية الساحقة للأنظمة العربية هو في حالة غياب كلّي. وهو غائب بالكامل كما يظهر في سلوك حركات المعارضة ومجالسها المشكّلة في الخارج والمستسلمة للإرادة الأميركية.
الفاعل في المشهد العربي من ثورات ومعارضات هو بشكل أساس العقل السياسي الأميركي والصهيوني. في الجانب العربي نشهد على مستوى الأنظمة العربية استقالة العقل وسباته في نوم عميق، ما ينعكس استسلاماً للمشيئة الأميركية وتنفيذاً لمخططاتها.

حال الشخصيات والحركات السياسية العربية كما تقدم نفسها في المعارضات المشكلة خارجياً،هي أسوأ بكثير من حال الأنظمة العربية، لأن عقلها مستلب وخاضع لعقل مستلب. نحن أمام عقل سياسي أميركي مهيمن وعقول عربية معطّلة على مستوى الأنظمة وعلى مستوى الحركات والأحزاب التابعة لها. الاستسلام للغيب والقدرية جعل الانسان أسير الأوهام والخرافات والشعوذة وعطّل فاعلية العقل. الدين رفض الشعوذة والخرافة والتبصير، وربط مصير الإنسان بعمله يوم الحساب. وأكد على الحرية وعلى الإدراك والتعقّل، لكن الخرافة استمرت واستمرت معها نفسية الاتكال والخنوع والخوف. فقدنا بذلك استقلالنا الفكري والنفسي وانكسرت ارادتنا وضاعت مصالحنا وأصبحنا نهباً للأمم الكواسر.
الاستسلام للغرب ومشيئته أدّى الى شل العقل وقتله من حيث هو قدرة على الربط والتأمل والتفكير، وعلى التحديد والتعيين للمصالح الحقيقية، فقبلنا الحدود والدوائر التي رسمها لنا الاستعمار ولبسنا الهويات الكيانية والطائفية التي كبّلنا بها. الاستسلام للعقل الغربي قتل عقولنا وأفقدنا نظرتنا فصرنا نرى بعيونه ما يخدم مصالحه، متوهمين أننا نعمل لمصالحنا. وبهذا الاستسلام تقبلنا كل خدع الغرب وأكاذيبه:

كذبة المؤسسات الدولية.
كذبة القانون الدولي والعدالة الدولية.
كذبة الحرية والديمقراطية والمساواة.
كذبة الانسانية والمجتمع الدولي.
كذبة الارهاب ومحاربة الارهاب.

عقل الغرب عامة والأمبريالية الأميركية خاصة هو عقل شيطاني جهنمي، يعمل على تعليب العقول وتوجيهها في ما يخدم مصالحه. انه يضحك على العالم كله بالغش والاحتيال والخبث والنفاق، ويجعل الناس تنساق وراء الأوهام وتعمل ضد مصالحها من دون أن تدري.
أي واقع تعيشه الأنظمة والحركات المستسلمة لغيب الخرافة والشعوذة والخاضعة في الوقت عينه للغرب الإمبريالي؟
بلغ المعتصم أن امرأة هاشمية صاحت وهي اسيرة في أيدي الروم: وآمعتصماه. فجهز جيشاً من سبعين ألف رجل واعتزم الفتح فقال له المنجمون: إننا نجد في كتبنا أنها لا تفتح هذه الأيام، فلم يردّ الخليفة على هذه الأقاويل وحاصر عمورية وانتصر على الروم. فقال أبو تمام قصيدة يمدح فيها الخليفة المعتصم ويصف الحرب ويسخر من المنجمين:

السيف أصدق إنباء من الكتب
في حدّه الحد بين الجدّ واللعب
الحقيقة هي في قوتنا وإرادتنا ومقاومتنا. وفيها يحضر العقل وتحضر مفاعيله.
ليست الحقيقة في كتب المنجمين ولا في تابعي عقول المستعمرين. العقل هو في المقاومين لا في المستسلمين و المنبطحين أمام الأميركي والصهيوني.
المعتصم شنّ حرباً نصرة لامرأة. والأنظمة العربية تسخّر كل قواها نصرة للمشروع الأميركي الصهيوني في حرب قذرة ضد سورية وضد العروبة. ضعف الأميركي أنه يقاتل خارج أرضه بالاستناد الى من نامت عقولهم وضاعت حقيقتهم.
قوتنا أننا نقاتل بالعقل على أرضنا دفاعاً عن حقنا وحقيقتنا.  

السابق
علامَ يبني المهوّلون بسقوط الحكومة؟
التالي
حملة لتشريع الرفق بالحيوان