النووي الإيراني أو الإسرائيلي؟

عجيب أمر رجال السياسة وجهابذة الإعلام والمحللين والخبراء السياسيين والستراتيجيين الذين ظهروا فجأة مع الطفرة الهائلة بالفضائيات والإنترنت ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الحديثة والمزعجة, وكأنهم لا يريدون لمن تجاوزوا العقد السادس من العمر(مثلي) أن يكملوا مسيرة حياتهم بهدوء وسكينة, فها هي تقاريرهم وأخبارهم وتحليلاتهم المزعجة والباعثة على التوتر والتي تقلق المضاجع عن القدرات النووية لإيران وخطورتها على اسرائيل (???) وسيناريوهات اجهاض القوة النووية الإيرانية عن طريق ضربة خاطفة من سلاح الجو الإسرائيلي (استنساخا لما حدث منذ عقود عندما هاجموا المفاعل النووي العراقي في مهده بضربة جوية خاطفة.
وقد حددوا مسارات الطائرات الإسرائيلية في رحلات الذهاب والعودة من إيران وكأنها رحلات عادية لطائرات مدنية.

وعندما يذهبون بعيدا في التحليلات أو البالونات الإعلامية فإنهم يتصورون ان المنطقة قد أصبحت جثة هامدة وأشلاء ممزقة, فها هو أقوى جيش عربي بأكبر دولة عربية على خط المواجهة ويواجه التحديات الجسيمة لانتقال مصر الى مرحلة جديدة, وها هي بقايا الجيش الليبي مبعثرة ومتناثرة في الصحراء القاحلة بعد سقوط نظام العقيد القذافي, ولم يعد للعراق ذلك الجيش القوي والمسلح الذي كان لديه عندما غزا دولة الكويت وسلبها سيادتها العام ,1990 أما الجيوش السورية واليمنية والسودانية فإن احوالها الآن لا تخفى على أحد.
لكن رغم كل هذا الضعف والوهن بالقدرات العسكرية العربية هل من الممكن قبول ضربة عسكرية اسرائيلية لجمهورية إيران الإسلامية? وهل تجد أي دولة بالمنطقة اي مبرر لاقناع شعبها وشعوب المنطقة بشرعية المساعدات اللوجستية التي قد تقدمها لقوات غازية لدولة اسلامية جارة وشقيقة? ومهما كانت قدرات آلات وأدوات الشحن والنفخ السياسي والإعلامي ضد إيران وتخويف دول المنطقة من مخاطر الهيمنة الإيرانية المحدقة بدول المنطقة, فإن المنطق والعقل والدين والعقيدة والحكمة لا تقبل أي تأييد لأي حملة عسكرية أو ضربة عسكرية ضد إيران المسلمة.
وإن حدثت تلك الضربة العسكرية للمفاعلات النووية الإيرانية فإن الأمر لا يكون استنساخا لما حدث مع المفاعل النووي العراقي منذ عقود لأن الظروف قد تغيرت تماما, فإن رد الفعل المتوقع من الدولة المعتدى على سيادتها (مهما كانت الذرائع والمبررات) سيعني اندلاع الحرب النووية في اخطر منطقة بالعالم وهي منطقة مصادر الطاقة للحياة البشرية على وجه الأرض.  وهل يتحمل العالم هذا السيناريو للعبث بآلات الحرب المدمرة والتلويح باستخدام الاسلحة النووية?
هل تترك مقدرات الشعوب ومستقبل البشرية بأيدي من لايعبأون بما يمكن ان يترتب على مثل تلك الحروب من دمار وتشريد واصابات واعاقات وتعطيل لمسيرة التنمية المستدامة التي تتردد شعاراتها داخل أروقة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وعلى لسان مستشاريها وخبرائها?
فيا أيها المحللون السياسيون امام كاميرات الفضائيات وبالمواقع الالكترونية كفوا عن العبث وطرح السيناريوهات الشيطانية عن القدرات النووية الإيرانية وضرورة التصدي لها من جانب إسرائيل, وعليكم البحث عن الافكار التي تمهد الطريق للسلام الشامل والعادل بالشرق الأوسط, فكفانا صراعات وحروباً في هذه المنطقة, ولا مبرر على الاطلاق لدق طبول الحرب ونفخ المزامير الشيطانية والعبث بأعصاب ومقدرات الشعوب المسالمة, والتي لا تجد الوقت الكافي لتضميد جراحها بعد الحروب المتتالية !
وإن كان لدى بعض رجال السياسة والإعلام الجدد عقدا نفسية أونزعات عدوانية فإن علاجهم الشافي لن يتحقق بالحديث عن سيناريوهات الحرب بين إيران واسرائيل لكن الانسب لعلاجهم هو التحفظ عليهم بمصحات الأمراض النفسية والعقلية بدلا من تركهم يصولون ويجولون عبر الفضائيات, ويدقون طبول الحرب النووية التي يمكن تجنبها ومنع حدوثها لو تولى الحكماء والعقلاء زمام قيادة دفة الامور المصيرية.
وان أسوأ ما تعانيه الاجيال الحالية هو تأثير الإعلام التقليدي والحديث عن صناعة القرار والقدرات المتنامية للطبقة الجديدة واشباه النجوم من ضيوف وسائل الإعلام للتأثير على القرارات المهمة والمصيرية, والتي قد تدفع الشعوب اثمانها الباهظة من اقتصادها ومن سيادتها ومن استقرارها, وها هي الامثلة الكثيرة من حولنا عما فعله الإعلام في دول بأكملها حيث لم يكتف الاعلام باسقاط الانظمة بل تجاوز ذلك الى تدمير كيانات الدول واستقرارها.
فرفقا بمن يريدون العيش بسلام بعيدا عن طبول الحرب النووية المدمرة التي يقرعها المصابون باعتلالات نفسية ويروجون لها بالاعلام الحديث. 

السابق
أين يكمن الخوف والقلق الإسرائيلي من الثورة السورية!
التالي
تكثيف الإجراءات الأمنية أمام بعض السفارات الحساسة