أين يكمن الخوف والقلق الإسرائيلي من الثورة السورية!

لدى الطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة في اسرائيل قلق واضح من الثورة السورية. قلق يستند الى المصالح اكثر مما يستند الى المخاوف، لكن ان سألت اي مسؤول سياسي اسرائيلي، سيرد عليك فورا بان هذا غير صحيح، و سيؤكد لك ان امكانية نشوء ديموقراطيات عربية تعزز فرص السلام العربي الاسرائيلي، وتؤدي الى ازدهار المنطقة كلها.
وسرعان ما سيضيف الى ذلك بعض المخاوف السياسة التقليدية وبعض المخاوف الانسانية، مثل تلك التي أبدوها لدى قيام الثورة المصرية، وسيستعرضها لك واحدة واحدة، كما فعلوا للمرة الأولى عند انطلاق وانتصارالثورة المصرية. واذا ما كانت بعض تلك المخاوف مشروعة (طبقا للمفهوم الاسرائيلي طبعا) في محاولات اسرائيل لدراسة وفهم كل الثورات العربية، فإنها تزداد عمقا والتباسا عندما يتعلق الامر بالثورة السورية، الى حد بعض محاولات التدخل الخفية لدى دوائر القرار الدولي، لإبطاء الاندفاع الدولي نحو الثورة السورية، الامر الذي سنشهد المزيد منه في المستقبل القريب عندما سيتعلق الامر بالاعتراف الدولي بالمجلس الوطني السوري، ما لم ينتبه الاخوة في قيادة المجلس الى ذلك ولم يسارعوا الى تجميع دعم سوري اكبر، خصوصاً من القوى والشخصيات التي تتفق معهم في الاهداف، وتلك مسالة اخرى لا اريد الخوض فيها الان.

كمثال على المخاوف السياسية الاسرائيلية التقليدية، تأتي في المقدمة التركيبة السياسية للثورات العربية، وسلسلة القيادة، وما هو التأثير الحقيقي للقوى التي ترفع شعارات تحرير فلسطين بالقوة، لان اسرائيل لا ترى أي مصلحة في رحيل نظام عرفت كيف تتعايش معه على مدى عقود طويلة، تعايش سبق ولادة بشار الاسد فشب عليه و تعايش معه، بل احبه، مقابل انتظارالمجهول القادم الذي لا تعرفه تل أبيب!! ربما ينبغي التنبيه الى ان السياسة الاسرائيلية لا تدار على ذاك النحو، و ذاك ما حرك قرون الاستشعار الاسرائيلية منذ الايام الاولى للثورة السورية لتنتزع تلك التصريحات الشهيرة لرامي مخلوف، اي ان اسرائيل لم تفاجأ بتلك التصريحات لانها جاءت باتفاق مسبق من خلال وسيط اميركي غير رسمي، واعطت تلك التصريحات أُكلها حتى الان على الاقل.

تلك واحدة، اما الثانية فهي الترويج لنظرية بان هذه الثورة قد لا تصل الى كامل أهدافها وتطيح بهذا النظام، ما سيقود الى انقسام السوريين ويلي ذلك تقسيم سورية، ما يؤدي الى فلتان غير مسبوق على الحدود الاسرائيلية – السورية، و يزعزع استقرار المنطقة و امنها، وان مثل هذا التطور سيؤثر على لبنان (الواقف ضد الثورة السورية) وعلى الأردن (الداعم بقوة لمطالب الثورة). تناقض واضح ولكنه في النهاية يخدم مصالح اسرائيل.

اما المثال الأوضح على ادعاء المخاوف الانسانية فيرتبط بـالأقليات العرقية والدينية والإثنية، وامكانية تعرضها للقمع والضغط، ويدللون على ذلك بما يحصل في العراق وفي مصر، في حين واقع الحاضر والتاريخ يؤكدان ما يخالف ذلك تماماً، فإسرائيل عملت بجد وبلا توقف للقول لهذه الأقليات (مع التنبيه انني لا أؤمن بهذا الوصف) انها ليست في محيط امن، مستغلة التشدد العروبي تارة، والتشدد الاسلامي تارة اخرى، وزادت عليها في السنوات الاخيرة التشدد الطائفي، لكن في حقيقة الامر، اسرائيل قلقة كثيرا من النضج العربي ومن ان يؤدي هذا النضج الى عدالة مقبولة بين ابناء البلد الواحد. واذا ازلنا غبار تلك المخاوف (التقليدية والانسانية) وغيرها سنجد قلق اسرائيل في مكامن اخرى تماماً، مخاوف سياسية وأمنية، جغرافية واقتصادية ولكن مختلفة عن تلك التي في الواجهة. فعلى الصعيد السياسي مثلا، تخشى اسرائيل كثيرا من ان تؤدي هذه الثورات الى نشوء ديموقراطيات عربية حقيقية تضعف مكانتها التقليدية كديموقراطية وحيدة في «صحراء» الدكتاتوريات ونظم الاستبداد المحيطة بها، نظم لا تعرف القوانين، تضطهد شعوبها، لا تسمح بحرية المعتقد والانخراط في نشاطات سياسية اواجتماعية اوثقافية، لا تسمح حتى بالعبادة. نظم تعطي درجات لرجال الدين وتصنفهم، خاصة وان اسرائيل عاشت طويلا في دلال الغرب باستخدام مسألة انها دولة القانون و الديموقراطية، واعتمدتها كمادة تسويقية رئيسية في سلة وسائلها الدعائية. وتدرك اسرائيل جيدا ان عالما عربيا ديموقراطيا يستطيع ان يستقطب الرأي العام العالمي لتاييد حقوقه العادلة بيسر اكثر.

أيضا سيؤدي هذا النشوء المتوقع الى اندماج الجميع في العملية الديموقراطية بمختلف تعبيراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتتضاءل مفاهيم الأقلية والأغلبية والتمايزات بكل أشكالها ستضعف، حتى لو شهدنا فترة من الصراع وعدم الاستقرار، وبالتالي ستفقد اسرائيل واحدة من اهم مرتكزات استراتيجيتها في التعامل مع الدائرة الاولى ولثانية في الجوار المحيط بها.

ان اهتزاز عرش الديموقراطية الوحيد في المنطقة، ونشوء واحات جديدة، سيجبر اسرائيل على اعادة حساباتها الإقليمية والدولية بعمق شديد وهي لا تريد هذا العبء، لذا لديها كل هذا الميل لعدم سقوط نظام الاسد.

 

السابق
بين حال اليمن وحال سورية؟
التالي
النووي الإيراني أو الإسرائيلي؟