حرب لا لزوم لها

لان الحرب الاميركية الاسرائيلية على ايران تكاد تكون مستحيلة، فان بدائلها تصبح سهلة جدا، مهما كانت كلفتها البشرية والمادية والسياسية، ومهما كانت نتائجها محدودة، بالمقارنة مع هدف تعطيل برنامج نووي ايراني كان ولا يزال في مراحله البدائية، ولا يمكن ان يصل الى المستوى العسكري، لاسباب تقنية وفقهية في آن معا.
الحرب تحتاج الى قدرات غير متوافرة لدى الاميركيين والاسرائيليين، الذين يستطيعون تدمير ايران من بعيد واعادتها الى ما قبل القرن العشرين، في غضون 15 يوما على ما جاء في اكثر من خطة وضعها خبراء استراتيجيون، لكنهم لا يملكون الادوات والوسائل ولا حتى الامكانات المالية لخوض صراع يتعدى فترة الاسبوعين المحددين، اذا ما احتفظ الايرانيون بارادة القتال وبعض اساليبه غير التقليدية، واذا ما استطاعت تحويل النفط الى سلاح قاتل يقوض الاقتصاد العالمي.. مع العلم بأنه سبق لاميركا ان استهدفت ودمرت دولا نفطية اكثر اهمية من ايران بما لا يقاس، وغامرت بتعريض ممرات النفط ومخازنه للخطر. 
ثمة معادلة بسيطة تفيد بان دولا مفلسة او مهددة بالافلاس لا تستطيع ان تخرج الى الحرب الا اذا كانت تضمن انها ستحقق مكاسب اقتصادية هائلة. وهو ما لا ينطبق على ايران او على اي من جيرانها العرب الذين يمكن للغرب ان يبتزهم بالخطر الايراني الى يوم القيامة، بدلا من السعي الى ازالة هذا الخطر الافتراضي، الذي يضخم قوة ايران الاقتصادية والعسكرية ويدفعها الى حدود خيالية… بمساعدة مسؤولين ايرانيين يسهمون كل يوم في تصوير بلادهم كقطب اقليمي بل عالمي، مع علمهم المسبق انها غير قادرة على بسط نفوذها الكامل على بلدين مجاورين يسودهما الفراغ.

العنوان النووي مفتعل الى حد بعيد. تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية استند الى معلومات قديمة تعود الى ما قبل غزو العراق، بعضها مصدره موسكو، التي قامت ببناء مفاعل بوشهر الايراني وتتولى تشغيله حاليا وربطه بشبكة الكهرباء الايرانية، فيما سافر الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى نيويورك في ايلول الماضي حاملا رسالة علنية صريحة ومباشرة الى الاميركيين، ونشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" ومفادها ان ايران مستعد لوقف تخصيب اليورانيوم نهائيا اذا ما توصلت الى صفقة لشراء اليورانيوم المخصب لمفاعلاتها العلمية والطبية.

لم تلق تلك الرسالة المدوية آذانا مصغية من اميركا او الغرب عامة، وربما لهذا السبب كان صداها سيئا في طهران حيث ادت الى احتدام الصراع بين الاجنحة المدنية والدينية والامنية للتيار المحافظ الحاكم.. وحققت احد اهم الاهداف الغربية من اطلاق الحملة الراهنة على ما يسمى بعسكرة البرنامج النووي الايراني، الذي كان ولا يزال يمكن تعطيله وتخريبه من الداخل الايراني نفسه، من دون الحاجة الى حرب.
نقل المعركة الى الداخل الايراني، حيث لم يعد البرنامج النووي يحظى بالاجماع الوطني، هو غاية الغرب الذي لا يريد ان يعطي الانطباع بان خروجه من العراق وافغانستان يمكن ان يوضع في حساب الانتصارات الايرانية.. حتى ولو استدعى الامر اللجوء الى بدائل للحرب التي تقرع طبولها على جبهة ايران لكنها يمكن ان تندلع على جبهات اخرى.  

السابق
اليونيفيل يؤجل فتح طريق العباسية ـ الوزاني
التالي
اعتصام الأحد لإلغاء التمييز ضد المرأة