الحريري وبري.. وسياسة اللعب على شفير الهاوية

كل تفاصيلنا السياسية الصغيرة والكبيرة، المحلية والإقليمية، تشير الى حراجة اوضاعنا.
كل التطورات من حولنا، والتصاريح التي تنهال علينا محذرة حينا ومتخوفة على استقرارنا وأمننا حينا آخر، كلها تشير صراحة الى اننا نعيش على شفير الهاوية.
هي الهاوية نفسها التي اختبرها اللبنانيون طويلا ووقعوا فيها تكرارا. ومن خرج منهم حيّا منها، بقي مثخنا بجراحه الكثيرة. ومع ذلك يطيب للبنانيين الاقامة على شفير الهاوية ويعيشون يوميا غواية الانحدار الى قعرها المفتوح على المجهول – المعلوم.
لم تنفع عطلة عيد الاضحى في إبعادهم تماما عن أشباح التوترات. ففي وقت، ولو مستقطعا ونادرا، من الهدوء النسبي على الجبهات المفتوحة من المحكمة الدولية الى الموقف من أحداث سوريا وما بينهما من «حرتقات» داخلية، انبرى سعد الحريري الى التأكيد و«الوعد» ان «قوى 14 آذار» لن تنتخب الرئيس نبيه بري لرئاسة مجلس النواب في حال فازت في الانتخابات في العام 2013».

لم يفهم اللبنانيون تماما توقيت هذا الكلام ومبرراته، فيما انصرف المراقبون الى التحليل الذي يبدأ من «السين – سين» ولا ينتهي بخارطة طريق المرحلة المقبلة داخليا». وفي هذا المجال، يؤكد احد السياسيين «ان كلام الحريري والمواقف التي تلته من عدد من السياسيين في فريق «14 آذار» والتي تصب في الخانة نفسها من انتقاد الرئيس نبيه بري تشير الى ان المجلس النيابي سيشهد صولات وجولات من التوترات التي تعكس الجو العام المتشنج في البلد».

لم يترك بري «حق» الحريري بانتخاب من يشاء، يمر من دون تعليق. تصدى له شخصيا ببيان تمنى فيه لو ينصرف الحريري الى مواصلة هواياته الشخصية ومنها الغوص، منتقدا «اكتشاف الشيخ هواية جديدة هي السياسة».
لا يمكن لأحد ان ينكر «احترافية» بري السياسية. لكن انتقاده «هواية» الحريري لا يدخل كثيرا في باب الاحتراف، خصوصا انه «لم يجب بالسياسي بل بالشخصي»، كما يقول احد المسؤولين في تيار «المستقبل». يضيف «لم يكن بري موفقا في رده. فقد بدا مستنفرا وهجوميا في حين ان ما قاله الرئيس الحريري يمكن الرد عليه بالأسلوب الديموقراطي نفسه. ليربح من يعكس إرادة الناس ورغبتهم ولتحكم الاكثرية بقوة الديموقراطية لا بسطوة التخويف والسلاح».
 
هما عبارتان مرتا في عطلة عيد الاضحى فساهمتا في تعكير الاجواء المتوترة اصلا. لكن التوتر لا يبدأ منهما ولا يتوقف عندهما. وبحسب احد السياسيين المخضرمين فإن «متابعة المشهد اللبناني عبر تصغير «الكادر» او تكبيره تعكس بوضوح، لمن شاء الرؤية حراجة الاوضاع وخطورتها». ويعدد مجموعة «احداث صغيرة» ومواقف تشرح وجهة نظره. يبدأ «من التفلت الامني. فلا يمضي يوم الا ونسمع عن حوادث امنية وقتل وخطف ولو بصورة عشوائية. وهذا يعكس اهتزاز صورة الدولة وغياب سطوتها وهيبتها. وفي السياسة، كل فريق يتهم الآخر بالتسلح والتحضير للامساك بالارض امنيا او مواجهة الفريق الآخر. ومن هؤلاء نواب يطلون عبر المحطات التلفزيونية للادلاء بمعلومات وتفاصيل يفترض ان تتحرك على اساسها النيابة العامة ومجلس النواب. اما في «المواجهات» المباشرة، فلا يمكن تمرير حادثة الجامعة اللبنانية – الاميركية من دون التوقف عند ابعادها لولا تدخل الجيش وضبطه الوضع».
ويضيف السياسي في مناسبة الحديث عن الجيش «ان هذه المؤسسة كما سائر المؤسسات الامنية تتحمل اعباء تكاد تفوق طاقتها في ظل غياب اي دعم فعلي صادق سواء عبر الخارج او الداخل، اضافة الى محاولات الاطراف السياسية تصوير كل مؤسسة امنية وكأنها تحت جناح هذا الفريق السياسي او ذاك. هذه لعبة خطيرة على السياسيين اللبنانيين الكف عن ممارستها. فالمؤسسات الامنية تعيش هاجس التدخل الامني على اكثر من جبهة ولا تحتاج الى ادخالها في المزيد من شد الحبال الداخلية».
وفي الاجواء المقلقة نفسها، يتوقف المراقبون عند كلام وزير الداخلية مروان شربل الذي وإن نفى وجود «اية معلومات مؤكدة لديه عندما تحدث عن وقوع اغتيالات» الا انه عاد وكرر «ضرورة ان يأخذ الجميع الاحتياطات والحذر لاننا نمر بظرف قد يرجعنا اي إشكال فيه الى نقطة الصفر».
و«نقطة الصفر» هذه كـ«شفير الهاوية» تلك مربوطة، الى حد كبير، بإرادة اللبنانيين، المربوطة بدورها بإرادات خارجية. وعلى وقع التطورات في سوريا تحديدا، يبدو الوضع الداخلي اللبناني اكثر هشاشة. ويقرأ البعض في تصريح وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه بعضا من المخاوف الحقيقية. فهو طالب «مجلس الامن بأن يتخذ التدابير اللازمة لمنع الاخلال بالاستقرار في المنطقة وتحديدا في لبنان». وبحسب متابعين فـ«إن لبنان هو الحلقة الاضعف في المنطقة وتأثير الاحداث في سوريا له انعكاسات مباشرة عليه. ويتحمل الطرفان في الاكثرية والمعارضة تشريع ابواب البلد امام خضات امنية قد يفترض البعض معرفة اين وكيف تبدأ، لكن الاكيد ان لا احد يمكنه الجزم كيف تنتهي»… الا بالعودة مجددا الى «نقطة الصفر» والاقامة المؤبدة في قعر الهاوية هذه المرة. 

السابق
هوايات خطرة
التالي
العالم يكمل ملياره السابع: ماذا تغيّر؟ (4): بعد الخوف من “الإنفجار السكاني”… العالم يرتعب من “إنقراض البشر”!