حرج العسكر يموت بفعل العمران والأمراض والإهمال في النبطية

تتهدد الأمراض والآفات الزراعية واليباس والحرائق، أشجار الصنوبر الباسقة والمعمرة التي يضمها «حرج تلة العسكر» و«حرج تلة الرويس»، اللذان يشكلان المساحتين الخضراوين النادرتين في مدينة النبطية، لكونهما من أجمل المناطق الطبيعية فيها، ولموقعيهما المميزين المشرفين على جميع أنحائها، واحتوائهما على حوالى ستة آلاف شجرة صنوبر من النوع البري والبلدي، زرعت فيهما منذ عشرات السنين وأضفت عليهما رونقاً وجمالاً ساحرين، حتى باتا محميتين طبيعيتين تحتاجان إلى العناية بهما من عبث العابثين.

تعرض حرج تلة العسكر في وقتٍ سابق إلى هجمة عمرانية اجتاحته لسنوات خلت، وتمثلت في بناء وتشييد عدد من الأبنية الحكومية والخاصة على أرضه، فشوهت اخضراره وجماله، كما فتكت به «دودة الصندل والزياح»، اللتان تنخران جذوع أشجاره وتأكلان أغصانها الطرية، وتهدد بموتها ويباسها آجلاً أم عاجلاً، في حال عدم اهتمام المسؤولين في وزارتي الزراعة والبيئة وبلدية النبطية، بمعالجتها بالأدوية والمبيدات الزراعية والحشرية اللازمة، قبل فوات الأوان. ويعد مرض «صندل الصنوبر» من فئة «تراتبية غمدية الأجنحة» في العلم الزراعي، وهو ينتشر في معظم غابات لبنان خصوصاً الصنوبرية منها، كما يقول المهندس الزراعي محمد الأخرس، مشيراً إلى إحداثه أنفاقاً في جذوع الأشجار، تؤدي إلى يباس الفروع والأغصان والأوراق، وإذا استفحلت الإصابة تؤدي إلى يباس وموت الشجرة كلياً. ويرى أن «معالجة المرض تتم من خلال قطع الأجزاء اليابسة من فروع الأشجار وأغصانها، على أن تغطى الجذوع المريضة بعد ذلك بمادة عازلة من الإسمنت، أو بعض المركبات والمراهم الصناعية الأخرى، ثم ترش بمادة «ميتا ميدي فوس» التي من شأنها القضاء على المرض». ويلفت الأخرس إلى أن «الأجزاء اليابسة من الشجرة تصبح ملاذاً آمناً لاختباء الأنواع المختلفة من «حشرة الصندل»، لذلك يجب إحراق الكميات المقتطعة من الأشجار المريضة مباشرة، كي لا ينتقل المرض إلى غيرها من الأشجار السليمة».

وقد «تعرض حرج تلة العسكر لأخطار تمثلت في احتراق ويباس المئات من الأشجار، بسبب القصف الاسرائيلي والحرائق المفتعلة أو الناتجة عن الإهمال، وعن عدم تنظيف الحرج من الشوائب اليابسة في فصل الصيف»، بحسب أمين سر «جمعية أمواج البيئة» المهندس مالك غندور، مطالباً «المسؤولين في وزارتي البيئة والزراعة، والبلدية، والمؤسسات الأهلية والمواطنين، بالعمل على إنقاذ الحرج من الموت واليباس، نظراً لما تمثله أشجاره الصنوبرية الجميلة من ثروة طبيعية وبيئية، بات يندر وجودها في منطقة النبطية والجنوب».  ويوضح رئيس بلدية النبطية الدكتور أحمد كحيل أن «البلدية في صدد وضع خطة للحفاظ على سلامة «حرج تلة العسكر» بالتعاون مع وزارة الزراعة، تتضمن تكليف عدد من المهندسين والاختصاصيين الزراعيين للكشف على الحرج خلال الفترة المقبلة، لتحديد نوعية الأمراض التي أصابت أشجار الصنوبر، ليصار في ضوء ذلك إلى رشها ومعالجتها بالمبيدات الحشرية والزراعية اللازمة»، مشيراً إلى أن «مثل تلك الأمراض تصيب معظم الأحراج في لبنان، وهي أمراض موسمية وبالتالي لا خوف على الأشجار منها، شرط معالجتها ومكافحتها في الوقت المناسب وهذا ما سيكون». وحول كيفية تلافي الحرائق التي تندلع في الحرج أثناء فصل الصيف، يؤكد كحيل أن «البلدية ستعمل بشكل دوري على تنظيف أرض الحرج من الأوراق والأعشاب والأغصان اليابسة، التي قد تسبب الحرائق، ويذكّر بأن البلدية لا تستطيع مراقبته على مدار الساعة، وتلك المسؤولية يتشارك فيها جميع المواطنين الذين من واجبهم الحفاظ على سلامة الحرج وعدم إشعال النار بداخله عند ارتيادهم له». ويلفت كحيل إلى «الحملة التي قامت بها البلدية منذ فترة من الوقت، وأسفرت عن غرس العشرات من الشجيرات الصنوبرية في الأماكن الفارغة من الحرج، التي كانت أحرقت بفعل القصف الإسرائيلي السابق والحرائق المفتعلة، إضافة إلى الطريق الخاص الذي شقته البلدية داخله، بهدف تسهيل وصول سيارات الإطفاء لإطفاء الحرائق التي قد تندلع فيه».

ويناشد رئيس «جمعية حماية البيئة والمحافظة على التراث في النبطية» الدكتور ماجد بعلبكي «المسؤولين في وزارتي الزراعة والبيئة وبلدية النبطية، دراسة واقع الحرج على الطبيعة والعمل على تأمين المبيدات الزراعية والحشرية اللازمة، للقضاء على الأمراض والآفات التي تفتك بأشجاره، فضلاً عن تنظيفه بشكل دائم من الشوائب والأوساخ والأعشاب والأغصان اليابسة، لكي لا تتسبب باشتعال حرائق والقضاء على عشرات الأشجار». ويعرب بعلبكي عن استعداد الجمعية «للقيام بحملة لتشذيب الحرج وتنظيفه ورشه بالمبيدات والأدوية الزراعية، بالتعاون مع عدد من المتطوعين والمؤسسات الرسمية والأهلية والدولية التي تعنى بشؤون البيئة والطبيعة، شرط أن تكلف الجمعية رسمياً بالموضوع من قبل المعنيين في وزارتي الزراعة والبيئة والبلدية، كما حدث عند قيامها بحملة مماثلة مولتها البلدية سابقاً، تضمنت في حينه تشذيب وتشحيل المئات من أشجار الصنوبر من الزوائد والأغصان اليابسة وتجليل وتتريب وبناء جدران الدعم لحوالى خمسة عشر دونماً من مساحة الغابة، إضافة إلى غرس عشرات الشجيرات الصنوبرية، بدلاً من مثيلاتها التي كانت قد احترقت بفعل الاعتداءات الاسرائيلية السابقة وغير ذلك من اعمال الصيانة والتأهيل».

وأثار النائب ياسين جابر في وقتٍ سابق موضوع مرض أشجار صنوبر حرج تلة العسكر في النبطية مع وزير الزراعة حسين الحاج حسن، داعياً إلى «المبادرة بأسرع وقت لمؤازرة البلديات والجمعيات البيئية للقضاء على تلك الآفة ومكافحتها، حفاظاً على الثروة الحرجية التي تتميز بها مناطق الجنوب عبر التاريخ، وتحديداً حرجي تلة العسكر وتلة الرويس في النبطية المعروفين بجمالهما وهوائهما العليل وفوائدهما الصحية الجمة». 

السابق
قراءة في انتخابات الجامعة اليسوعية
التالي
اسرائيل تدق طبول الحرب