المبادرة العربية بين المقامرة والمغامرة

تبتعد المبادرة العربية بشأن الاحداث الجارية في سورية، عن التوصيف من قبل المراقبين، بأنها ناتجة من اجماع عربي يحمل مشروعاً موحداً لحل الأزمة، فهي في الواقع مجموعة من المصالح الكيانية المتفاوتة الأهداف، يجمعها إيقاع اميركي بلباس عربي.
السعودية تنظر إلى سورية من خلال مصالحها وشبكة علاقاتها في العراق ولبنان. قطر بدورها تتعاطى مع هذا الملف انطلاقاً من موضوع أنابيب النفط والمياه بينها وبين تركيا، واستناداً الى الدور المركزي في السياسة الاميركية لهذه المنطقة بالتعاون مع الجانب التركي، الهادف إلى صياغة انظمة حكم اسلامية التوجه، بقية الانظمة الخليجية الأخرى تدور في فلك مصالحها النفطية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً باقتصاد الولايات المتحدة الاميركية، وتسعى جاهدة الى إبعاد كأس الحراك الشعبي المرة من الوصول إلى واقعها. المغرب العربي في غيبوبة كاملة عن احداث المشرق وانظمته، ومربك بما حدث ولا يزال في ليبيا وتونس. مصر مشغولة بنفسها عن نفسها، وكذلك السودان المقسّم حديثاً.
أما العراق ولبنان والأردن فمتأثرون بشكل مباشر بأحداث الدولة المركزية القطبية لدول المشرق.
اللوحة الماثلة أمامنا لا تظهر انسجاماً مقنعاً لألوان الطيف الكياني العربي المتنكب حل المسألة السورية. وهي بالتأكيد لا تحمل الهمّ السوري بقدر ما هي تحمل همّها من انعكاس النتائج، ومهما كانت النتائج، على دورها واستمرارها في المستقبل الذي يبدو قريباً، وقريباً جداً. 
المجموعة العربية القادمة تحت عنوان المبادرة، تحمل في جعبتها مطالب أكثر مما تحمل من حلول. تحمل صيغاً ووصفات طبية هي أحوج ما تكون إليها. تحمل بذور فنائها بنفسها.
ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف لهذه الدول المستبدة شكلاً ومضموناً أن تعطي دروساً في الديمقراطية والحريات الفردية وتناوب السلطات؟ كيف يمكن لهذه الدول أن تتحدث عن المساواة والعدالة الاجتماعية وهي تنهب حقوق شعوبها؟ يبلغ مثلاً راتب أحد الأمراء 300 مليون دولار شهرياً، فكيف لهذه الدول ان تطالب سورية بالحوار مع المعارضة بدون شروط؟ وهي تقمع شعوبها بالرصاص الحي، وسجونها ممتلئة بالمعارضين السياسيين، وأصحاب الرأي، والمفكرين الاجتماعيين، وحتى الفنانين. أننتظر من هذه المبادرة أن تأتي بالترياق من العراق؟ أم البحبوحة من الصومال؟ أم الوحدة من اليمن؟ أم الحضور الدولي من جزر القمر؟ أم النهج القومي من جيبوتي؟

أننتظر من هذه المبادرة أن تأتي بالحرية والاستقلال! وهي لا تستطيع أن تدفن ملكاً، رئيساً، اميراً أو سلطاناً إلا بفرمان اميركي، وبرعاية أميركية أو رضى أميركي؟
بعض هذه الدول، بل معظمها لم تستوفِ شكل الدولة، وليس فيها مقومات دولة، إلا مالياً، فالسلطة تقوم على البداوة والعشائرية، والقضاء يقوم على الشرع استنسابياً، والجيش الفعلي مرتزقة، والاقتصاد ريعي على البترول، والنهب العام قيمة اساسية للتصدر، والامارة تباع وتشرى من جب إلى جب، أو من فخذ إلى فخذ.
والبعض الآخر من هذه الدول المسماة عربية، مرهون المقدرات لمصلحة الحامي الاميركي، مرتهن القرار، عباءة ضخمة مسيّرة بـ "الريموت كونترول" الأميركي.
والبقية الباقية، مسقط في يدها، ترزح تحت ضغط المشاريع الجيوبوليتيكية للولايات المتحدة والغرب الاوروبي، فهي إما آيلة الى الإفلاس، أو متجهة إلى التقسيم، وبالتالي تعاني سكرات الموت.
إن دولاً من هذا النوع، ومن هذا القياس، كيف لها أن تنتج مشروعاً قومياً؟ ومن أين لها القدرة على وضع «وزنها» لإيجاد حل لمشكلة معينة، كالـ "مشكلة" السورية مثلاً.
إن دولا لها هذه المواصفات، تقامر بمستقبلها في هذه المغامرة.  

السابق
يوم علمي في مستشفى النبطية
التالي
يوم إعلامي للكتيبة الفرنسية في ديركيفا