رامي بيننا والهيرويين يعشش في عروقه

خرج رامي من مركز التأهيل. تنفس الصعداء. وانطلق ليكتشف طعم الحياة. خرج قوياً منتصرا على المادة التي فتكت بجسده احد عشر عاما. بدأ طريقه مقتنعا بأنه لن يعود اليها.
لن يعود الى الماضي الحاضر بكل عناصره في حي الجعيتاوي في الاشرفية. هناك بدأت علاقته بحبيبته الحشيشة التي لم تفارقه الى ان تذوّق فاكهة الملوك (الكوكايين).
فارق والد رامي الحياة باكرا، ولم تكن امه سوى المرأة التي انجبته فتركته وذهبت بدون اي شعور بالمسؤولية حياله. عاش مدة قصيرة مع احد الاقرباء ثم غادر، اراد ان يكمل الطريق بمفرده.
من معاشرة شباب الحي، انتقل رامي الى حانة في الجميزة. هناك تمرس على ايدي الزبائن الذين كانوا يوزعون الكوكايين كمن يوزع الحلوى على الضيوف. هذه الحلوى، بحسب رامي "تفتح الدماغ" وتعطيه القوة كي يسهر طوال الليل. امضى وقته يستفيق على "فاكهة الملوك" وينام على "حشيشة الكيف".
مع الوقت، لم تعد هذه اللذة تكفي حاجاته المتزايدة. هنا تعرّف الى "احلى شعور بالعالم"… انه الهيرويين. سعره اقل من الكوكايين ويمكن توفيره بسرعة فائقة.
دعاه صديقه روني لتذوق الطبق الجديد. لم يتذوقه فحسب بل سمح له بأن يجري في عروقه ليتسلل الى كل اطراف جسده. غرق رامي في مستنقع الهيرويين ولم يكن يعلم حينها انه سيتألم. هذا المستنقع يضم ايضا "الـفري بايز" صافي الكوكايين.
كان رامي يقصد تاجرا في البقاع "عند نوح كل شيء مؤمن، صالون خاص للزبائن. تبدأ الرحلة اليوم وتنتهي غدا. وطالما المادة موجودة والمال بين يدي التاجر تمتد القعدة الى اللانهاية. وفي ناس بتطلع بسيارتها وبتنزل بالفان". الفتيات طُعم مهم جدا. الخدمات التي تقدمها المدمنة للمروج تؤمن من خلالها الهيرويين للاصدقاء الذين يؤمنون "القعدة" بالمقابل. انها مصالح مشتركة.
المدمن المستعجل يلجأ الى مدخل بناية، غرفة كهرباء، حمامات المراكز التجارية، او الى البيت المهجور في نزلة العكاوي. هنا العدة كلها موجودة. عقاقير وحامض، مخلفات المدمنين.
اعتاد رامي ان يرتاد الاماكن التالية كي يحصل على "زوادة" نهاره: البسطا، امام جامع سليم سلام مركز مهم للتلاقي، بالقرب من "لونا بارك" الدورة، واحدى محطات الوقود في الدورة وطبعا حديقة اليسوعية في الاشرفية.
 
كلها مناطق تخضع لنفوذ حسن. بدأ هذا الشاب مسيرته في ترويج المخدرات باكرا. تفوّق حسن "التلميذ" على استاذه ابو علي. فتسلم القيادة واصبح يجلس وراء مكتبه فيما موزعوه الصغار يتولون المهمة عنه. ومن سائق دراجة الى مالك سيارة قصة تدرّج، طبعا بمساعدة الزوجة الوفية جوي التي كانت تسهل نقل البضائع من البقاع الى بيروت بحماية الجنين الذي بدأ يساهم بنشر السم الابيض قبل قدومه لمزاولة المهنة رسميا ومساعدة والده.
جنود حسن حاضرون دائما على دراجاتهم النارية لتلبية الزبائن. كرم مثلا ليس عنصرا محبوباً، سبق لرامي ان رفع عليه سكينه وسرق منه الهيرويين. كان رامي يغرز الابرة في لسانه كي لا يلفت نظر المحيطين به.
خسر رامي عمله وعائلته واصدقاءه. لجأ الى والدته بعد علمه انه ملاحق من المخابرات الذين اعتقلوا صديقه المروج في مدخل منزله حيث كان يقسم البضاعة ليعطيه حصة الملك دون مقابل.
اثناء تلك الفترة ذهب رامي كالعادة الى حديقة اليسوعية ليقابل مخلّصه. جلس بقربه، تحدث معه، واخذ "البضاعة" بهدوء. اللافت ان احد عناصر المخابرات كان في الجهة المقابلة، كما زعم، ولكنه لم يقترب منهما. فهل هذا المروج محمي او هي احدى حيل المخابرات للتعرف الى اكبر عدد من الشباب؟ عاد رامي الى المنزل، دخل الحمام، وضع الطبخة على نار خفيفة ليذوب الهيرويين بالماء والليمون الحامض، ومن النار الى عروقه المهترئة.
لم تعد والدته تتحمل هذا الوضع واراد زوجها طرده. غادر رامي المنزل قاصداً عمته. ارادت العمة ان تنقذ ابن اخيها فحضنته. جالست ريتا، ابنة العمة رامي الفترة الانتقالية بين الادمان ومركز التأهيل. تحملت "خرمته" وهي التسمية الشائعة بين المدمنين للآثار الانسحابية للمخدر من جسم المدمن. في هذه المرحلة يشعر المدمن بألم شديد في كل عظمة من جسده، ويفقد السيطرة على مشاعره، ويصل احيانا الى ضرب كل من يمنعه من الذهاب لشراء المخدرات. وعلى العائلة ان تقفل باب المركز كي لا يهرب المدمن غير المدرك ما يحصل من حوله.
انتقل رامي الى مركز التأهيل. خرج منه منتصراً وعاد بفخر الى بيت عمته حيث حظي بعائلة جديدة تسانده وتتتبّع كل تحركاته.
حاول رامي ايجاد عمل يبدأ من خلاله مرحلة جديدة. ملّ الانتظار ولم يجد ما يرضي غروره. عاش غروراً وثقة بالنفس كبيرين، "كنت أكيد انو ما رح ارجع وإذا رجعت ما حدا رح يصدّق". كان مخطئاً فـ"لين"، ابنة عمته الصغرى، لم تثق به، بحثت بين أغراضه ووجدت العقاقير الجديدة، وباتت تراقبه حتى أصبحت هوايتها البحث في قمامة الحمام كي تتأكد. نعم لقد عاد!
هذه المرة كانت جوانا زميلته في مركز المتابعة هي السبب. عرضت عليه الهيرويين، وضعته أمامه فلم يستطع المقاومة. علمت العائلة، ومن جديد حاولت انقاذه عبر اخضاعه لعلاج سريع. بعد العلاج بدأ يعمل في متجر ثياب في الاشرفية. علمت جوانا به، وعادت الى فريستها ونجحت من جديد.
أبعدت العمة رامي من منزلها، لكنها في المقابل أمّنت له مسكناً. وبعد مشاورات طويلة أخذته الى المستشفى كي يخضع لعلاج كلفته 4100 دولار.
دخل رامي مرة أخرى الى مركز التأهيل، وخرج مسرعاً. فضّل أن يخسر حياته بدلاً من تمضية سنة في مركز التأهيل. فقد أهله واصدقاءه وحياته واختار الهيرويين.
لم يعد يخاف الموت بل ينتظر قدومه "أغراض حسن ما بيقتلو". لم يعد لديه ما يخسره، انتهت اللعبة. رامي اليوم، لم يعد يتنفس الصعداء، لم يكتشف طعم الحياة، نظر الى الوراء وقرر ان يعود الى الوراء.

لائحة أسعار الممنوعات بيروت البقاع
حشيشة الكيف 50 ألف ليرة لكل 23 غراماً 30 ألف ليرة لكل 23 غراماً
كوكايين (بحسب النوعية) سعر الغرام الواحد بين 100 ألف ليرة و150 ألفاً 75 ألفاً لكل غرام
هيرويين (بحسب النوعية) ثمن الغرام 20 أو 30 أو 60 ألف ليرة أفضل نوعية 20 ألف ليرة لكل غرام
"فري بايز" (150 ألف ليرة ثمن الغرام) 60 ألف ليرة (الحبة) 20 ألف ليرة (الحبة)

 

السابق
جعفر فضل الله: لاعادة إنتاج قيم على أساسها نحكم البلد ونعمل على تطويره
التالي
الداعوق مثل ميقاتي في صلاة الغائب عن روح ولي العهد السعودي في جامع الامين