سياسيونا شهود زور!

 في كثير من الملفات الشائكة قد ينقلب السحر على الساحر. وقد لفتني قبل أيام حديث في "النهار" مع المعارض السوري ياسين الحاج صالح يقول فيه "ان الثورة دينامية استقطاب سياسي وفكري وأخلاقي ونفسي بالغة الحدة… وهل تستطيع ان لا تعبّر عن احتقارك لمن يلتمسون الأعذار للقتلة، أو يضعون جرائمهم في سياق نسبي، وان يترصدوا زلات الثورة للقول ان الجلادين والضحايا بعضهم مثل بعض؟ أنا لا أستطيع. ولا أستطيع ان أحترم هؤلاء، وفي لبنان كتيبة كاملة منهم. انهم شهود الزور".
في المقابل قال رئيس قلم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان هيرمان فون هايبل ان لا ملف اسمه شهود الزور، فيما يعلو الصراخ اللبناني والعويل للمطالبة بفتح هذا الملف كمقايضة بتمويل المحكمة الخاصة بلبنان.
من هم شهود الزور الذين يكثر الكلام عنهم في بعض المواسم، ثم يخفث ليغيب تدريجاً ليعود ويحضر استكمالاً لعدة محاربة مسيرة العدالة التي تمضي قدماً مع المحكمة الدولية للنظر في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وغيره من شهداء انتفاضة الاستقلال الثاني.
أمام كل محكمة الكثير من الشهود الذين تسقط شهاداتهم لاحقاً، لكن أجهزة التحقيق تستمع اليهم مرة، بل مرات، فقد يكون سعيهم الى التضليل، دليلاً الى أمر ما، والى من يحركهم، وهؤلاء غالباً ما يلعبون أدواراً متقلبة وفق الأجهزة التي تديرهم، أو المال الذي يحركهم ويقبضونه من هنا أو هناك.
لكن موضوع شهود الزور، الذي أثاره المعارض السوري ياسين الحاج صالح، على ما فيه من طرافة القول، يعبر عن واقع أليم صار اللبنانيون يعيشونه، خصوصاً في قوى 8 آذار، الذين أصابهم الانفصام لحظة وقوع الثورة في سوريا.
ففي مصر، من الضروري إسقاط النظام، وكذلك في تونس. ويحق لأهالي البحرين بالحريات السياسية والاجتماعية، وفي ليبيا مجرم جزار وجب إسقاطه. هذه القوى تبدو معنية بالوضع السوري أكثر من متابعتها للشأن اللبناني الداخلي، وحجتها دائماً ارتدادات الأزمة السورية على جارتها الأقرب. لكنهم في الوقت عينه، لم يتحسبوا لتفادي الأسوأ في حال طالت الأزمة السورية وتناسلت، كما الحرب اللبنانية للعام 1975. كذلك لم يتحسبوا لإمكان سقوط النظام السوري، وحلول نظام بديل أو فوضى مرحلية. المسؤولون في لبنان يفكرون في ما يجري سورياً، ويراقبون يومياً، ويرددون العبارات التي يعلنها النظام من دون أدنى شك في صدقية القول، ويتهمون الثوار بأنهم ارهابيون وقتلى وقطاع طرق، فيحولون أنفسهم شهود زور على حركات الشعوب وتحررها وثوراتها.
هكذا في المنظور الفلسفي، يتحول المنادون بشهود الزور، أيضاً لغير الحقيقة، ويناهضون حركات التحرير، يبررون العنف والقتل لأخرى، ينتصرون للديكتاتورية، يناصرون السلاح وسيلة تعامل.
هكذا يتحول معظم سياسيينا، وبينهم قتلة ورعاة قتلة، وسارقون وحماة سارقين، يتحولون شهود زور يستحقون المحاكمة.
 

السابق
صفقة عشائرية
التالي
الرئيس أوباما وإسرائيل