الجمعيات في النبطية… واقع مشتت في ظل هيمنة سياسية وحزبية خانقة !!

إنتهى عصر الجمعيات الذهبي في مدينة، قيل عنها أنها حاضرة جبل عامل، أفل نجم سطوع عملها الفكري-الثقافي، لتنخرط في أتون أنفاق مظلمة، ذات طابع سياسي الى حد ما،لا يمت الى الأهداف التي أنيطت بها بصلة.حولها جمعيات فارغة الاهداف، والمضمون، لم تُحرز على مر السنين إستقلاليتها الخاصة، ولم تلبس "لبوس" أفكارها، "بل تسدل سروال مبادئ غيرها، فتخرج فضفاضة، يصطلح على تسميتها "جمعيات متسولة" لا تملك استقلالية في العمل الاجتماعي والخدماتي، ولم تحقق حتى اهداف واضحة تذكر".

في ستينات القرن الماضي، إنطلق عمل الجمعيات في مدينة النبطية، وترافق نشاطها مع نشاط الاحزاب، وتنوعها وتعددها، التي كانت أحزاب علمانية وقومية، يدور في فلك كل منها، جمعية أو أكثر تنشط وتَفعل مع فعالية الحزب، وهذا كان يخلق جوا من التنافس الفكري الرصين، الذي أثمر عقداً ذهبياً، راج حقبة طويلة الى أن إندحر، وإنحرف عن خطه في نهاية الثمانيات، "خاصة مع المد الديني،إذ شهدت هيمنة لفئة سياسية محددة على الجنوب،صودرت الجمعيات،وحدَت من عملها، بل حاصرت أهدافها "التي أصبحت أسيرة التسويق الفكري والايديولوجي لهذه الاحزاب الدينية،ومما ساعد على تفاعل هذه الوقائع تراجع الاحزاب العلمانية، وبالتالي تراجع دور الجمعيات التي تدور في فلكها،وتحولت الى جمعيات صورية بدون نشاطات فعلية على الارض" على ما يقول الباحث الإجتماعي الدكتور علي إبراهيم.

هروب من المستقبل
فعلى رغم أهمية عمل الجمعيات، والغاية السامية التي من أجلها ولدت،الأ أن واقع اليوم لا يشي بمستقبل باهر،نتيجة لكثيرٍ من عوامل مجتمعة،أدت الى جمود عملها، وانحصاره الى حد كبير،ما دفع الى قراءة واقعية لهذا الحال،وحين سؤالنا بعض الشخصيات الناشطة في مجال العمل المدني عن رأيها،تجنب البعض إبداء الرأي،بذريعة تكدس عمله،والبعض الاخر إعتذر بحجة حساسية الموقف،اما الأخر فإشترط الحديث شرط عدم ذكر إسمه.
واللافت ان الجميع يٌفر بوجود "عورات" كبرى تجتاج الجمعيات التي تحولت الى جميعات تبيع أهدافها ومبادئ تعبت في تسويقها، رامية بها "في مزبلة"الواقع المنحرف عن أهدافه…ومع ذلك نلحظ تفرخٍها كالفطر ،تأخذ طابع شبابي ذات تمويل خارجي،أو مدني، أو عناوين برُاقة أخرى، ولكن…كلها يقتصر حضورها في لقاءات ونشاطات تنفذ داخل المدينة، التي أصلا تشهد نشاطا خجولا، وإن حضر يبرز "ركاكة" العمل المجتمعي الذي لم ينجح حتى اليوم بأي نشاط، يُسجل على لوح مدينة، قيل أنها "مدينة عراقة".

شيخوخة مبكرة

أسباب كثيرة تدرجت في سلم إخفاق الجمعيات، كل يعيده الى أسباب مختلفة، فالناشط الاجتماعي الدكتور علي إبراهيم يعيدها الى هيمنة "قوى الأمر الواقع"، فيما يعيدها الناشط الاعلامي كامل جابر الى "شيخوخة" رئيس جمعية يتزعمها لعشرات السنين، في حين ذهب رئيس جمعية وعي السيد ياسر إبراهيم الى حد القول إن "إخفاق الجميعات في عملها مرده الى غياب تدفق الدم الشبابي ، ووضع فيتو على الجميعات المستقلة"، ولكن المؤكد الوحيد أن الجمعيات اليوم سواء كانت شبابية، او مدنية أو محلية، إلا أنها كلها تحولت الى "جمعيات صورية"، أخرجتها عن سكتها الصحيحية وهذا الحال فرض قراءة لواقع الامر الذي قد لا يتقبله كثر، ويعتبره البعض الاخر إفتراء او تزيف حقائق، وان حصل ذلك فيعني ان ما سيرد هو واقع.
في النبطية، تتفرخ الجمعيات، بأشكالها والوانها وأطباعها المختلفة، ليتخطى عددها الـ60 وربما أكثر من ذلك،الفاعل منها لا يتجاوز أصابع اليد،جمعيات لا تفتح أبوابها إلا في مناسبات نادرة،بل يكاد المواطن أن ينسى حضورها، وحتى وجودها لأسباب اللهم "مجهولة"، مبررة من قبل أصحاب الشأن… وتنقسم الى ثلاث أقسام شبابية كجمعية دايز، شبكة مجموعات شبابية، لقاء شباب النبطية، مازالت يصارع على الوجود لإثبات الحضور،محلية "مهترئة"،أصبابها "هشاشة"، الواقع، تغيب عنها المنافسة، ويغيب معها تفلتها،من قبضة أهداف الثورة الثقافية والإجتماعية، الأدبية والبيئة بإستنثاء النشاط الصحي الحاضر الأقوى في الامر، وهذا يراه الدكتور علي إبراهيم "إفلاس واضح للعيان، لجمعيات لا فعالية لها،إذ ولا يمكن الحديث عن جمعيات ولا يوجد لا وطن ولا دولة"، وثالثة مستقلة، "يعتبرها البعض أنها تنفذ أجندة أمركية واضحة، رغم أن تلك الجمعيات أثبتت أن وجودها يرتبط بتنفيذ اجندة ثقافية شبابية تهدف الى صقل عقول الشباب"يقول السيد إبراهيم
 
الذي يلفت الى أنه" تعيش هذه الجمعيات الخوف، وعملها محظور من قبل الأحزاب، خاصة الجمعيات المستقلة، التي تُتهم بأنها جميعات أمريكية، تنفذ أجندتها الخاصة"،وهذا برأي إبراهيم لا "ينطبق على النبطية، بل على كل لبنان، الذي يلفت الى أنه "لو إستمر الوضع على ما هو عليه، يُقيد أكثر المجتمع المدني،الذي يجب أن يكون مستقلا بقراراته واهدافه، وحتى مبارزاته التنموية" طارحاً تساؤلاً" لماذا لا تبرز المواقف الجريئة للجميعات، لما تغيب إستقلاليتها،كما لو يمنع عليها الكلام؟".
افلاك في فلك مغلق
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه،هل أصبحت الجمعيات نرجسية المنشأ، بالية الأهداف، رخصية الى حد يمكن أن تبيع حضورها لغايات إعتباطية، تلامس الإرتهان والاسر لصالح قوى سياسية، تفرض كل سيطرتها على الحضور المجتمعي… وهل أفل نجم الجمعيات المحلية في مدينة النبطية، وسقطت في حضيض الإرتهان للامر الواقع، وهذا جرّها لتكون جمعيات "عنوان" لا جمعيات "أهداف"، لانه إستلتها قوى أخرى، بسطت حضورها على واقعها، فأفرغها من مضمونها، ودفع بها لكي تتقوقع في منظومة فارغة من كل شيئ إلا من المجاهرة علنا بوجودها عبر يافطات وشعارات ترفعها مع كل مناسبة…

يُسلم السيد ياسر إبراهيم "بغياب فعالية جمعيات النبطية التي تغيب عنها النهضة الشبابية..ويعيث داخلها الفراغ الثقافي والإنحلال معنوي"هذا الواقع يعيده الناشط كامل جابر الى "إتباع بعض الجمعيات لمرجيعات سياسية، فمركز كامل يوسف جابر الثقافي الإجتماعي،مرجعيته النائب ياسين جابر،يدور في فلكه لا يمكن أن يتخاطاه ،فأي شخصية تُغضب "حركة أمل" لا يستضيفه، حتى نادي الشقيف تتحكم بنشاطاته علاقات الافراد، لقد تحول من جمعية الى كافتيريا بعد مصادرة قراراته من قبل فئة حزبية تهيمن عليه"، النادي الذي كان شعلة النبطية، ولولبها،يعيش اليوم الملل، تغيب عنه النشاطات، التي كانت رائدة في حضورها الفَذ،بل تحول الى أداة مسلوبة الإرادة، بعد أن أصبح رهيناً لأحد أقطاب المنطقة السياسية،حتى أن هيئته الإدارية تجتر نفسها.
وإذا كان ناد الشقيف، باع أهدافه،فأين حضور باقي الجمعيات والاندية،من حماية البيئة،الجمعية الخيرية،تقدم المرأءة،الى كثير من جمعيات لا تبرز على الساحة إلا في مناسبات خجولة،كما لو كانت إعتكفت في بوتقة حزبية سياسية،ذات خط جامد،يقول الناشط الإجتماعي الدكتور علي إبراهيم أن"النبطية تشهد نشاط لأربع جميعات فقط،من بينهم جمعية حماية البيئة والمحافظة على التراث،المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، جمعية التنمية للإنسان والبيئة،وجميعة يديرها النائب ياسين جابر مركز جابر الثقافي الاجتماعي"،ولكن هل فعلا جمعية حماية البيئة تنظم نشاطات ذات شأن بيئي،هل تصنف النشاطات التي تنفذها بداية كل إربعاء من كل شهر،والذي غالبا ما عنوانها سياسي،بيئية؟،"يقر إبراهيم أنها "لا تنفذ أنشطة متناسقة مع عنوانها،متحججا بذريعة ندرة الاموال".

وإذ يطرح جابر "فذلكة" نقدية تطال حتى المجلس الثقافي للبنان الجنوبي حين يقول أن "الهيئة الادارية داخل المجلس،التي تُقر اللقاءات التي تعقد تحت قبة هذا المجلس،للأسف لا يحضرون النشاطات،فلا نعتب على عدم حضور الجمهور إذاً"،يشير السيد إبراهيم "الى أن جمعيات أخرى تعيش في حركة مدنية-شبابية-اجتماعية،شحيحة بحجة غياب الدعم المالي.
لا شك أن القلة المالية تحول دون أي نشاط، ولكن لا يعني ذلك إندثار ألافكار، بذريعة الهيمنه عليها، متناسين سيطرة القرار من قبل رؤساء الجمعيات، الذين يتربعون عليها منذ سنين،"ما يترجم إنحراف لمسار أهدافها، فيخيم عليها الإحباط، وتقلّ عزيمتها، ويتشتت تواصلها الإجتماعي الحي، الذي يحد من نهضتها"يشير السيد إبراهيم،ويعلق جابر بالقول"لم تعد الجمعيات تسعى لتنفيذ اجندة منوعة،هَم البعض المحافظة على موقعٍ، والبعض يرتهتن لقوة سياسية، والبعض يكتفي بمساعدات حكومية ليس اكثر، وأخر هيئات عالمية وانسانية والبعض يعاني، وانا لا ابرء ذاتي نحن كمجلس ثقافي لا نملك قدرة مالية، ونتاجنا غزير، فيما الذي يملك قدرات مالية لا ينفذ نشاطات".

الهيمنة السياسية والركود
يدل هذا الواقع على مرارة قتولية،موصولة بخيوط معقدة،لجمعيات "بدأت تتراجع كثيراً، تحت حجج وذرائع واهية، تنطلق من ندرة الامدادت المادية، أو غياب الأفكار المتجددة، وإذ يقول السيد إبراهيم " أن الجمعيات وقعت ضحية "الهيمنة السياسية"، التي تجندها تحت أجندتها الفكرية،المكوكية الأبعاد،بما يخدم مصالح هذه الفئة لا العكس،يشير جابر الى "وجود خلل يجتاحها،تحتاج على اثر الى نفضة،داخلية،تقرأ بموجبها ذاتها بشكل نقدي، أين نجحت،وأين أخفقت،تكرس أنظمة،تحول دون سيطرة الرئيس على الجمعية، للسماح بـ"ضخ دم" جديد،لنقل الأفكار من حال الركود والملل،الى الارتقاء الفكري الثقافي…
إزاء هذه الصورة، وإزاء القول بوجود جمعيات ناشطة كجمعية الامداد، ومركز الإمام الخميني، جمعية المعوقين لها نشاط مهم، المبرات الخيرية، هذه جمعيات تتبع لأحزاب، الذي يفرض حضورها لما لم تصرخ تلك الجمعيات الى الان، ولما لم تنتفض طالما هناك هيمنة،لما لم تُقدم حتى نشاط يضاهي الانشطة التي تقدمها تلك الجمعيات التي يدعي البعض أنها فاعلة… إذا المؤكد الوحيد هناك خلل واضح للعيان، وإذا لم يجر التنبه له، فإنه حتماً سيميت حضور جمعيات، وجدت للنهوض بالمجتمع… 

السابق
والمعارضة شريك مضارب !
التالي
ما بعد المخطط