وهلأ ندين لبكي: شكرا

عندما شاهدت المشهد الأوّل من فيلم "وهلأ لوين" للمخرجة ندين لبكي، كان أوّل ما خطر على بالي هو التالي: لماذا فيلم عن المسلمين والمسيحيين وصراعهم، وليس عن السنّة والشيعة؟ طالما أنّ هذا هو أحد أبرز وجوه الصراع الإجتماعي هذه الأيام في لبنان والعالم العربي ربما كلّه؟

وأجبت نفسي بالكثير مثل: الغربيون الذين تريدهم لبكي أن يحبّوا الفيلم سيتعاطفون أكثر مع فيلم يتحدث عن المسيحيين، ومثل: هذه قصّة تناقش "الذاكرة" اللبنانية وأسقط ما شئت من أسماء محل "مسلم" و"مسيحي"، ومثل: لا فرق، المهمّ هو المغزى والخلافات التي لا طائل منها ولا حلّ لها وتنتهي دائما بأسئلة مفتوحة مثل التقارير التلفزيونية لمن يظنّون أنفسهم أذكياء…

ليسَ… المهمّ أنّني كنت كلما أبحرت في صالة السينما، في مجمّع "غالاكسي" بمنطقة عين الرمانة، تأتيني أفكار أكثر ارتباطا بنفسي، أنا الشيعي المستقلّ عن الشيعية السياسية. فكرت مثلا أنّ الفتاتين اللتين تجلسان أمامي محجبتان، وأنّ الفتاتين اللتين تجلسان خلفي، مع شابين، تلبس إحداهنّ صليبا نافرا على صدرها العاري تقريبا.        


نحن في طرف عين الرمانة بين الحدث وفرن الشباك، ومسلمو الضاحية الجنوبية لبيروت لا سينما أقرب إليهم أكثر من هذه، حيث يلتقون بمسيحيي فرن الشباك والحازمية وعين الرمانة والحدث. خطر لي أنّ كلمة أو تعليقا غير موزون من أحد المشاهدين قد يشعل الصالة ويخلّف جرحى كما في "ماسبيرو" المصرية. وخطر لي أنّ الفيلم الذي ينخر رؤوس المشاهدين عن عقم الخلاف الإسلامي المسيحي مقنع، لكنّه لن يغيّر شيئا على الأرض… وهذه الجملة الأخيرة ظالمة نوعا ما.

 
ليسَ… المهمّ أنّ حبكة الفيلم الرئيسية تقوم على أنّ النساء والفتيات تحاولن دائما، في ضيعة نائية بعيدة عن بيروت، أن تمنعن أخبار الخلاف المسيحي الإسلامي من الوصول إلى آذان أزواجهنّ، عبر إتلاف الجرائد والتشويش على إرسال التلفزيون الوحيد في القرية. وتصلن في النهاية إلى فكرة جهنمية: إحضار راقصات تعرًّ أوكرانيات وبعض الحشيش لتسطيل أزواجهن، وحين يستيقظ الرجال يجدن نساءهنّ وقد صارت المسيحية منهم مسلمة محجبة وتصلّي، والمسلمة تبخّر وتلبس الصليب وتتمتم بدعاوى إنجيلية.

وينتهي الفيلم بتشييع شاب من القرية قتل في بيورت برصاصة طائشة، من دون أن يعرف أهل القرية هل صار مسلما أو مسيحيا بعدما جرى، وبنتهي الفيلم بتابوت على أكتاف المسلمين والمسيحيين لا يعرفون أين يدفنونه: وهلأ لوين؟… ثم العتمة.

بعد خروجنا من الصالة، مسلمين ومسيحيين، سنّة وشيعة، خصوصا أنا وزوجتي، أنا الشيعي وهي السنّية، كانت دهشتي من الإخراج الراقي والحوار "الشيك" والحقيقي الواقعي في الوقت نفسه، ومن دقّة اختيار وحسن تنظيم "الكاست"، كانت هذه الدهشة قد وبّخت أسئلتي الأولى، وخطر لي أنّ فيلم "هّلأ لوين" هو المثال الرائع عن كيفية تحويل "الكليشيه" السخيف، الإسلامي المسيحي مثلا، إلى فنّ سينمائيّ راق…وأنّ ندين لبكي جعلتنا نرى في تفاهة مثال "الهلال والصليب" شيئا ذا قيمة… لذا: هلأ ندين لبكي…شكرا. 

السابق
المنشورات الكاذبة تعود إلى الجفينور
التالي
بين الأساتذة والحكومة..أين طلاّب الجامعة اللبنانية؟