الاعتراف بعضوية فلسطين

تخوض الدوائر الفلسطينية والعربية في الأمم المتحدة، معركة الاعتراف بعضوية الدولة الفلسطينية.

ومسألة الاعتراف هي معركة بحدّ ذاتها، وهي من ضمن المعارك التي تخاض على أكثر من جبهة، هدفها ترسيخ الوعي بالطابع الاحتلالي والتمييزي وغير الشرعي كقاعدة للمجابهة معها، بالرغم من القناعة الكاملة أن العملية السلمية المزعومة لم تحقق شيئاً، بل على العكس كانت لمصلحة "اسرائيل" استفادت منها لتوطيد وتوسيع الاحتلال وتبلور التمييز العنصري أكثر فأكثر، ليكون الأمر بمثابة الهروب من فشل الى آخر، الغاية منه تحسين الموقف التفاوضي الفلسطيني لا أكثر ولا أقل، ولا يمكن اعتباره إظهاراً للحق الفلسطيني المنتهك وتثبيتاً لحل الدولتين، وبالتالي هو تطبيل لن يقدم للقضية شيئاً يذكر، لأن أميركا ما زالت على موقفها الداعم للعدو، وكذلك الدول الغربية التي يتنافس قادتها في تقديم الذرائع التي تصب في خانة العدو، فوزير خارجية فرنسا "آلان جوبيه" يدعو الفلسطينيين الى الاعتراف بـ "اسرائيل" كدولة للشعب اليهودي كشرط لكي تصوّت فرنسا بـ "نعم" على طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية!!

ويلاحظ المتتبّع لمجريات الامور، أن هناك محاولات جادة تجري لقلب الصورة بحيث تظهر الفلسطينيين ـ والذين هم الضحية ـ بالمعتدين والكيان الغاصب بالمعتدى عليه!!.
والغريب في الأمر، أن بعضاً من القادة الفلسطينيين ومن معهم من "الاعراب" لا يزال يراهن على كلام أوباما ومبادراته في إقامة دولة فلسطين علماً بأنه قال أكثرمن مرة وأكثر من كلام تراجع فيه عن كل طروحاته السابقة بسبب الانتقادات التي تعرّض لها والكلام القاسي الذي اسمعه اياه رئيس وزراء العدو. 

علماً بأن "اسرائيل" تسعى جاهدة الى تسخير العالم بأكمله لخدمة مصالحها، ومن ثم مصالح الادارة الاميركية فضلاً عن أن الولايات المتحدة لم تكن في يوم من الأيام سوى الخادم الأمين والمدافع المستميت عن عنصرية وجرائم العدو "الاسرائيلي".
وبالرغم من طلبات العديد من الدول ومطالبتها للعدو بوقف الاستيطان نرى أن المستعمرات تتوسع من دون حسيب أو رقيب وعلى حساب الفلسطينيين وأراضيهم المغتصبة، والأمم المتحدة تقف متفرجة، بل مباركة لاستمرار الاستيطان، وهذا ما جعلها تفقد كل مصداقيتها. وكم كان رهان البعض عليها خاسراً أخلاقياً في ظل كل تلك المواقف السلبية تجاه الشعب الفلسطيني وقضية فلسطين، حيث لم تستطع هذه المنظمة تنفيذ قرار واحد من القرارات التي أصدرتها لمصلحة القضية الفلسطينية لسبب واحد، هو عدم تجرؤ المنظمة الوقوف في وجه "اسرائيل" وأميركا وهذا ما جعل النظام العالمي نظاماً فاقداً للأخلاق وهذا ما يدفع الشعب الفلسطيني الى التمسك بخيار المقاومة سبيلاً وحيداً لاسترجاع الارض والحقوق، التي ثبت بالدليل القاطع عدم جدوى البحث عنها خارج إطار القوة والمقاومة، وبعدما أثبتت تجربة المفاوضات عقمها والتي لم تؤدِّ إلا الى المزيد من الحصار واستمرار العنف والقتل والاضطهاد والتشريد والاستيطان، الذي يمارس على كل الشعب الفلسطيني.  
وكانت حكومة الاحتلال قد ردّت على الطلب الفلسطيني المقدّم الى مجلس الأمن بشأن العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، بإعلان موافقتها على بناء أكثر من ألف ومئة وحدة استيطانية في الجزء المحتل من القدس، علماً بأن واقع التصويت في الأمم المتحدة لن يوفّر أي بصيص أمل لقيام دولة فلسطينية، بسبب الرفض الاميركي والتعنت الصهيوني وما بينهما وما حولهما علماً أن الولايات المتحدة ردّت على السعي الفلسطيني بالامتناع عن ضخ الأموال الى الفلسطينيين، في الوقت الذي تواصل فيه دعمها اللامحدود للعدو الصهيوني، ومهما يكن من أمر، فإن المماطلة والتسويف والالتفاف على الطلب الفلسطيني ستبقى سمة الجهود الصهيونية والأميركية والأوروبية الراهنة، حتى يقبل الفلسطينيون بالعودة الى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويكتفون بقبولهم بصفة عضو مراقب فيها.

إن المقايضة التي تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية في كواليس الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالنيابة عن العدو الصهيوني لثنيه عن قرار المطالبة بعضوية كاملة تعكس استمرار تلك المنهجية التي لم يتغيّر أيّ من قواعدها الاستراتيجية أو التكتيكية القائمة على الدعم المطلق للعدو والانحياز الكامل له والذي يجب أن يواجه بمزيد من اللحمة والتكاتف بين أبناء الشعب الفلسطيني، للصمود في وجه تلك التهديدات والضغوطات التي ستزداد شراسة في الأيام المقبلة.
ويبقى السؤال المطروح: هل سيبقى الفيتو الأميركي يستخدم ويفرض ما يريد؟ وهل سيبقى هو الشبح الأوحد الذي يحرك المنظمة الدولية؟

هناك دراسة تقول إنه يجب إصلاح الأمم المتحدة حتى لا تفقد شرعيتها، حتى أن هناك شروعاً للدخول في عملية إصلاح أدوات وممتلكات الهيئة، مع بقاء القوى العظمى بمكانتها وامتيازاتها لاستخدام حق النقض "الفيتو"، لكن الحقائق على الأرض لا تتغير، والذين يعارضون استخدام الفيتو يقولون أن استخدامه لن يغيّر حقائق كثيرة تطمس، أن الذين يؤيدون استخدامه فيقولون ان دون هذا الحق ستصبح الحكومات الدولية أكثر فوضوية.. إن التعددية والتعددية القطبية هي الشعارات التي تميّز هذه الأيام، وهي شعارات مترنّحة، والأمر يعود في النهاية الى الأمم المتحدة لتثبت مصداقيتها التي لم تكن موضع تقدير، بل كانت وما زالت ألعوبة بيد الكبار!!.

لقد فقدت منظمة الأمم المتحدة كل مصداقيتها، بعد أن بلغ عدد المرات التي استعملت فيها أميركا "الفيتو" أكثر من 42 سمحت فيها للعدو الصهيوني بالاستمرار في فرض سياسة التمييز العنصري في المنظمة حيث أن الرئيس الأميركي أوباما يعتبر نفسه مستوطناً "اسرائيلياً" يدافع عن المستوطنات أكثر من اي صهيوني آخر.. وها هي أميركا بعد 63 عاماً من الدعم الاميركي "الإسرائيلي" والتماهي بين السياسة الخارجية الاميركية والسياسة الداخلية للعدو، والدعم المالي والعسكري دون حدود وكل مواقفها المعادية للعرب، لا تثير أكثر من الاشمئزاز والغضب لدى بعض الفلسطينيين والعرب. وما الإهانة التي تلقاها أوباما من رئيس وزراء العدو إلا صفعة لحلفاء أميركا من العرب قبل سواهم، والذين آثر البعض منهم الصمت، الذي هو صمت الأموات حيث لم ينبرِ أحد من المسؤولين أو الملوك والأمراء والسلاطين أو الحاضرين الغائبين في المنبر الدولي أو في أي مكان آخر للرد أوللتفوه بكلمة واحدة ضد تصريحات الرئيس الأميركي الذي تنصّل من وعده بقيام دولة فلسطينية، بل أكثر من ذلك راح يشجع على بناء المستوطنات وتقديم كل أشكال الدعم لكيان العدو.

وللتذكير فقط، فإن الصهيوني بامتياز جيفري فيلتمان صرّح لصحيفة المساء (le soir) في بروكسيل قائلا: "ان عرض قضية فلسطين على الأمم المتحدة، هو مجرد لهو وتسلية، لن يجدي شيئاً، ولن يحل المشكلة، رغم الضجيج والصخب الإعلامي ولن يغيّر شيئاً على أرض الواقع".
ومن المفيد أيضاً العودة الى ما يكرره رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو في كتابه ـ مكان تحت الشمس ـ بأنه لا يجدي مع العرب، وخصوصاً الفلسطينيين سوى استخدام القوة، والسلام الوحيد المقبول معهم هو "السلام الاقتصادي".  

السابق
اشرف الناس … والريفي
التالي
هل استعاد الأسد سيطرته لرفض تمويل المحكمة