الجمهورية: تَعويل على الساعات المقبلة لتَلافي الإضراب غدا

توزعت الاهتمامات الداخلية أمس على محورين: الاول، موضوع إيجاد علاج متوازن لموضوع تصحيح الاجور وتلافي الاضراب العمّالي المقرر غدا، وذلك في ظلّ آمال في أن تتوصل المفاوضات والمساعي الجارية في غير اتجاه اليوم الى نتائج ترضي الجميع. والثاني، موضوع تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الذي لم يطرح للمعالجة الفعلية بعد، سواء في مجلس الوزراء أو في أي مؤسسة أخرى.

فيما سُجّل خرق سوري ثالث للحدود اللبنانية في بلدة عرسال في البقاع الشمالي.

وأكد مصدر أمني ان وحدة من الجيش السوري مؤلفة من أربع آليات عسكرية خرقت قرابة الثانية والنصف بعد ظهر أمس الأول الحدود اللبنانية في السلسلة الشرقية لجهة بلدة عرسال، وتوغلت الى منطقة "خربة داود" لمسافة راوحت بين 10 الى 15 كلم. واطلقت النار على مزارعين كانوا في المكان، وافيد عن إصابة عدد من المنازل بطلقات نارية، ولم يصب أي من المزارعين.

وذكر المصدر أن القوة السورية غادرت الاراضي اللبنانية، بعد ساعة ونصف تقريبا من دخولها.

الاجور والاضراب

ففي موضوع الاضراب العمّالي، بدا انه قائم حتى اللحظة في موعده غدا نتيجة فشل الاتصالات التي شهدتها الساعات الاخيرة بين بعبدا والسراي الحكومي وعين التينة، في التوَصّل الى حل يرضي الجميع.

فرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان التقى الهيئات الاقتصادية امس، واستمع الى تصوّرها للحل ورؤيتها للصعوبات التي تواجهها، معربا عن اعتقاده أن الحل لموضوع زيادة الرواتب والاجور الذي يطرحه الاتحاد العمالي العام يكون بالحوار الجدي توَصّلا الى صَوغ بنود سياسة اجتماعية شاملة تقدّم رزمة إصلاحات اقتصادية واجتماعية تحقق مصالح الجميع.

وإذ طلبت الهيئات من سليمان رعاية هذا الحوار وفق المبادىء والنهج الذي يتّبعه في تقريب وجهات النظر، أشار الى أنه سيبذل الجهود اللازمة لما فيه مصلحة الجميع، مشيرا الى انه يتابع هذا الموضوع، مشددا على أهمية "الحوار الجدي والعقلاني بين المعنيين، بما يحفظ مصالح طرفي الانتاج".

وعلمت "الجمهورية" ان سليمان استدعى رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن الى لقاء يعقد عند التاسعة والنصف ظهر اليوم في بعبدا، وذلك في إطار العمل على تقريب وجهات النظر لمعالجة موضوع الأجور. وفي هذه الأثناء يواصل رئيس مجلس النواب نبيه بري مساعيه لحلحلة العقد، وتمكين المعنيين من التوَصّل الى حل متوازن لتصحيح الاجور على نحو يرضي الجميع ويلبّي المطالب العمالية. وابلغنا انه سيلتقي الهيئات الاقتصادية اليوم في إطار هذه المساعي.

وقالت مصادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مساء امس لـ"الجمهورية" إنّ "الاتصالات مستمرة وأمامنا الوقت الكافي للنقاش قبل جلسة مجلس الوزراء اليوم وخلالها. وان الرهان هو على حوار مباشر بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، من شأنه أن يقرّب بين وجهات النظر ويسهّل الوصول الى الصيغة القابلة للتنفيذ بما يضمن مصلحة الجميع.

وكان لافتا ان اللقاء الذي كان مقررا بين الهيئات الاقتصادية وأركان الاتحاد العمالي أمس قد ألغي بسبب انشغالات الطرفين وتضارب المواعيد، لكن الاتصالات لم تتوقف لتأمين انعقاده خلال الساعات المقبلة.
 
استعدادات للإضراب

على انه وفي موازاة الاجتماعات والمفاوضات، فإن الاتحاد العمالي يواصل استعداداته لإضرابه غدا. وعلمت "الجمهورية" ان غصن دعا اعضاء المجلس التنفيذي للاتحاد الى اجتماع ظهر اليوم لتقويم حصيلة الاتصالات الجارية عشيّة الإضراب. وقد يتوسع اللقاء ليضمّ ممثلين عن النقابات واتحادات النقابات الأطراف التي تدعم الإضراب.

واستعدادا لتوسيع رقعة التجاوب مع الإضراب، زار غصن أمس مركز نقابة معلّمي المدارس الخاصة، والتقى أعضاء هيئة التنسيق النقابية، وتمّ التفاهم على سلسلة من الإجراءات التي تضمن المشاركة الفاعلة في الإضراب. واكد غصن بعد اللقاء أنّ هذا الإضراب "مستمر، ونَعد بمزيد من الخطوات التصعيدية اذا لم نتوصّل الى نتائج مرضية". والتقى غصن نقابة موظفي المصارف للغاية نفسها.

تمويل المحكمة

أمّا على صعيد تمويل المحكمة الدولية، فلم يُسجل أي تطوّر بارز أمس، في الوقت الذي شهدت المحكمة نفسها تطوّرا تمثّل في تعيين القاضي سير ديفيد باراغوانث بالإجماع رئيسا لها، بعد استقالة رئيسها السابق القاضي انطونيو كاسيزي لأسباب صحية.

وعن مدى تأثير استقالة كاسيزي على مسار المحكمة، قال الخبير في القانون الجنائي الدولي الدكتور أنطوان سعد لـ"الجمهورية": "إنه إجراء إداري عادي لا تأثير له في مسار المحكمة"، موضحا أنه يمكن لأكثر من قاض أن يستقيل في وقت واحد، وتبقى المحكمة مستمرّة"، ولفت الى "أن المحكمة ماضية في عملها، ويكفي أن ننظر الى مكتب الدفاع الذي يضمّ أكثر من 120 محاميا، ينتمي كل خمسة منهم تقريبا الى جنسية معينة، في وقت يتقاضى كلّ منهم نحو 16 الف يورو في الشهر".

وفيما توقّع سعد أن تبدأ إجراءات المحاكمة نهاية الشهر الحالي، قال: "إكتمَلت معظم هيئات المحكمة، باستثناء مكتب الضحايا الذي سيكتمل في غضون أيام. عندها، تبدأ المحاكمات فورا وبوتيرة سريعة، بحيث ستعقد الجلسات بالتوالي بفارق خمسة أيام الى عشرة".

هاشم

وفي هذا الصدد، دعا عضو تكتل "التغيير والاصلاح" النائب عباس هاشم الى "أن ننتظر قليلا تداعيات استقالة كاسيزي وأسبابها التي لم تعلن بعد، فهل هي لعيوب مادية ام لأسباب تختلف كليّا عمّا يحقق معايير العدالة الجنائية الدولية؟".

وقال هاشم لـ"الجمهورية: "ما فاجأنا أمس (امس الاول) كان رسالة الامين العام للامم المتحدة بان كي مون حسب ما ورد في الاعلام، يطالب فيها بفروقات سِعر الصرف وغلاء المعيشة. فعجيب كيف يبحثون هناك في غلاء معيشة لقُضاة ولا نبحث هنا في مستوى غلاء المعيشة للشعب اللبناني؟" وسأل: "هل يمكن البحث في موضوع ماليّ خارج نطاق النظام العام؟"، وأكّد "ان هذه المحكمة غير موجودة في أي من نقاط الانتظام العام اللبناني، بمعنى انها لم تنشر في "الجريدة الرسمية" أو في أي مجلّد من مجموعة القوانين اللبنانية. فكيف يمكن طرح موضوع التمويل في هذا الشكل؟". وقال "إن طرح التمويل اليوم له هدف واحد هو زيادة الشرخ داخل الصف الحكومي، ولا يُقصد منه البحث عن العدالة او في العدالة". وأضاف: "من لديه الإصرار والتأكيد على التمويل، فليتقدم باقتراح قانون الى المجلس النيابي، وهكذا نكون امام فرصة تاريخية للبدء بنقاش قانونية هذه المحكمة ودستوريتها في المكان السليم والملائم".

وسأل هاشم: "هل يمكن البحث في تمويل المحكمة خارج نطاق الالتزام المسبق بتحويل الشهود الزور الى المحكمة المختصة او المحكمة الاساس التي هي المجلس العدلي، والتي يقتضي بها حكما تحويل كل من وردت أسماؤهم في دعوة اللواء جميل السيد وويكيليكس و"حقيقة ليكس" الى القضاء؟ وهل يمكن بدء البحث في تمويل المحكمة خارج نطاق كلام كلّ من فخامة رئيس الجمهورية وصاحب الغبطة بضرورة تصحيح الشوائب التي حيكت لهذه المحكمة؟".

وعن احتمال تعرّض لبنان لعقوبات دولية في حال أخلّ بالتزاماته، قال هاشم: "ليس هناك أي التزام لبناني في الموضوع، بدليل ان ما ورد ايضا في نظام المحكمة، يقول: "وإذا تعذّر على لبنان التمويل، يسعى الامين العام للامم المتحدة للتمويل من أي من الدول المانحة أو التي ترتضي ان تموّل".

شطح

ومن جهته، قال مستشار الرئيس سعد الحريري الوزير السابق محمد شطح لـ"الجمهورية"، إن "المحكمة صدرت بقانون دولي وهي قضائية، وتنفيذ الالتزامات المتعلقة بها ليست عملية ان نختار إذا كنّا نلتزم ام لا نلتزم، وبالتالي هي تنفيذ لقانون. وأكّرر انّ الموضوع تنفيذي. تنفيذ الالتزام هو تنفيذ الالتزام. مثلا عندما صدر القرار الاتهامي بالمتهمين الاربعة لم تصوّت الحكومة على ما إذا كانت ستلاحقهم ام لا، ولم يقترح احد التصويت، لأن تنفيذ هذه الالتزامات مُلزم".

واضاف شطح: "القانون قانون والقضاء قضاء، وعندما يكون هناك قانون دولي فإنه لا يقلّ عن القانون المحلي. ويصبح على السلطة التنفيذية، أي الإدارات اللبنانية، تنفيذ ما تطلبه المحكمة". واكد "ان الالتزام بالمحكمة والتعاون معها هو اشمل واوسع من التمويل. إذ يمكن إيجاد مصادر أخرى للتمويل. أما الالتزامات الباقية فعلى لبنان ان ينفذها بنفسه، وهو يقول إنه ينفذها، لذلك تردد الامم المتحدة دائما ان لبنان يتعاون لأنها ترى تعاونه من خلال مراسلتها دوريّا، وإعلامها بما يفعل لتنفيذ هذه الالتزامات".

واوضح شطح "ان تصريف الاعمال يشمل الاعمال المطلوبة قضائيا وقانونيا"، لافتا الى "ان ميقاتي اكد بنفسه التزامه المحكمة، وكرّر ذلك للبنانيين ولجمهوره في طرابلس"، وقال: "شخصيا، لا ارى كيف يمكن ان يبدّل رأيه، وفي النهاية هو ليس موظفا، بل هو رجل مسؤول وقال كلاما واضحا، وهو سيقرر ما اذا كان سيستطيع تحمّل هذا النوع من الرفض الحكومي لموضوع أساسي عبّر بنفسه عن التزامه به داخليا وخارجيا".

ونبّه شطح الى أنّ "مَنع التمويل وعدم التعاون يثبت مقولة ان لبنان هو فعلا تحت سلطة الامر الواقع، وتداعيات ذلك واضحة للجميع. إذ من الطبيعي آنذاك أن يتعامل كثيرون في الخارج مع هذا البلد وكأنه يقع تحت سلطة الامر الواقع، وان يتأكد اللبنانيون أكثر ان الحكومة عندما تصل فِعلا الى موضوعات مهمة، فالقرار هو لسلطة الامر الواقع وليس للدولة اللبنانية هذه هي النتيجة الاساسية. أما اذا لم تتأمّن السيولة لتمويل المحكمة، فنصوص قرار مجلس الامن تتيح للامين العام ان يستعيض عنها باموال أخرى، وان يستكمل عمل المحكمة بتبرّعات جديدة. هذا طبعا لا يلغي متوجّبات لبنان، ولكن في مطلق الحالات لن تتوقف المحكمة، ولكن من المؤكد ان لبنان سيدفع الثمن". 

السابق
الاخبار: المجلس العسكري يعزّي… ويرمي المسؤوليّة على المؤامرة
التالي
السلطة السورية تعترف بالمجلس الوطني!