الخليج: التغيير أقوى من المال والأمن

أي متتبع موضوعي لايقاع الربيع العربي كان يدرك ان موجة الاحتجاجات والثورات ستنتقل من بلد عربي الى آخر. وهي، وان اتخذت وجوها واشكالا مختلفة، إلا أنّها تتقاطع عند هذا التطلع العام لدى الشعوب العربية نحو انتفاضة الكرامة الوطنية والفردية، انتفاضة هدفها تحرير المواطن من تغول السلطة واستنقاذ الدولة من الذين اعتبروها ملكاً لهم، وإعادة اعتبارها طرفاً محايداً يخص الشعب بقدر ما يخص السلطات، وليست بأيّ حال من الأحوال ملكاً لمن يحكم البلد.
هذه الحقيقة، التي لا يستطيع اي نظام عربي ان يعتبر نفسه بمنأى عنها، قد ينجح نظام ما في تأجيل الآنتفاضة برشوة من هنا او هناك، او بكبتها بالقوة الامنية او العسكرية، ولكنه سلوك لن يوفر النظام من مواجهة استحقاق الاصلاح السياسي الجدي، او ترقب الثورة التي لم تعد حلما بعيدا للبعض او خطرا محتملا للبعض الآخر.

ربيع العرب ليس حكرا على الجمهوريات الوراثية، ولا الآنظمة الملكية محصنة ضده، انه السؤال العربي الحقيقي الذي تطرحه هذه الشعوب او فئات منها منذ عقود على سلوك النظام العربي الواحد اتجاه المجتمع والدولة والكرامة الوطنية.
منذ ايام وقعت مواجهات بين مواطنين شيعة وقوى الامن في اقليم الاحساء بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، وفي القطيف تحديدا. اللافت ان المحتجين استخدموا اسلحة نارية، بحسب البيان الرسمي السعودي، اثناء تصديهم لرجال الشرطة الذين جاؤوا لتفريقهم، واصابوا 11 شرطياً.

السلطات السعودية اتهمت ايران، دون ان تسميها، بالوقوف خلف الاحتجاجات في القطيف، وبالتحريض على اعمال العنف. وفي معزل عن صدقية هذا الاتهام من عدمه، او صحة ما ورد عن استخدام المحتجين السلاح في ظل غياب اي مصدر للمعلومات غير البيان الرسمي، لا بد من التذكير بان القيادة السعودية حاولت، وفي خطوة وقائية من عدوى ربيع العرب، باعتماد خطوة مالية عبر منح ما يفوق الـ90 مليار دولار، وتقديم اعفاءات واسعة من قروض للدولة، ومن الناحية السياسية السماح للمرأة في المشاركة بالانتخابات البلدية في الدورة القادمة. هاتان الخطوتان لا تعكسان حجم التحديات المطروحة على القيادة السعودية، وهما لن تحولا دون تنامي الاحتجاجات في المرحلة المقبلة على اكثر من صعيد سياسي واجتماعي.

 
من هنا يبدو اتهام الخارج، وايران تحديدا، منطويا على عملية هروب الى الامام. فالأزمة القديمة المتجددة، على صعيد المواطنين الشيعة في المنطقة الشرقية، هي أزمة فشلت القيادة السعودية في معالجتها حتى الآن، وهو ما فتح الابواب ويشرعها ليس على التدخل الايراني، بل على تدخلات غربية اثارت، ولا تزال، الخلل المتصل في العلاقة بين هذه الفئة السعودية والحكم. فمن المعلوم ان المحتجين يطالبون، بالاضافة الى اصلاحات سياسية يسعى اليها غيرهم من المواطنين، بمطالب خاصة وشرعية، مثل رفع ممارسات التمييز ضدهم في الوظائف العليا بالدولة، خصوصا في الجيش والامن والسلك الدبلوماسي والحقائب الوزارية، بما يتلاءم مع تعدادهم السكاني .

السلطات السعودية قامت في بيانها الاتهامي لايران بتخيير مواطنيها الشيعة بين الولاء لوطنهم او الولاء لايران ومرجعيتها الدينية. والحقت هذا التهديد بالقول، حسبما جاء في بيان وزارة الداخلية السعودية، انها ستضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه القيام بذلك، اي الولاء لايران.

هذا الموقف السعودي لن يغير في واقع الحال اذا لم يترافق مع خطوات سياسية قادرة على لجم الاستعانة بالخارج. ذلك ان اغلاق الافق امام اي استجابة جدية لمطالب مشروعة سيزيد من قوة الاصوات التي تستقوي بالخارج. وبهذا المعنى فإنّها، كما لن تؤدي المعالجة الامنية والعسكرية في البحرين الى تجاوز الازمة، بل عمقت جذورها، فإن المقاربة السعودية لاحداث المنطقة الشرقية قد تنجح في قمع الاحتجاجات ولكنها لن تنجح في انهاء الازمة التي تتجاوز ازمة مواطنين شيعة يعانون من التمييز الى مهمة ملحة هي احداث نقلة نوعية على مستوى الاصلاح السياسي تطال المملكة.
مواطنو الخليج لن يرضوا بالمثال البحريني، والتغيير آت لا محالة.  

السابق
لماذا احتُلت ليبيا؟
التالي
قاموس العاهر والسعدان والجاسوس